القتال في القرآن 4
القتال في القرآن 4
لماذا يقاتل المؤمن ؟
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿216﴾ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
سورة البقرة
نحاول في هذا الاستعراض محاولة فهم الآيات و الظروف التي رافقت نزولها , وماهي الأجواء التي كانت سائدة وقت نزول الآيات
.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
لا يرغب المؤمنون بقتال الكفار , و الله يخبرهم أن عليهم أن يقاتلوا , على الرغم من أنهم يكرهون القتال
قد يكون في القتال خيرا لهم مع كرههم له
من الواضح أن المؤمنين لا يرغبون بالقتال , لاعتقادهم أن القتال هو شر كبير و خطر عظيم على الدين و المجتمع , و أن في القتال تقطيع لأواصر القربى و الرحم , وهم يرون أن تقطيع الأرحام شيء سيء جدا , ونحن نعلم وجود قرابات كثيرة بين المؤمنين و غير المؤمنين
.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
يسأل المؤمنون أو غير المؤمنين النبي عن القتال في الأشهر الحرام , و الله يخبر عن مساوئ القتال في الشهر الحرام فيقول
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ
القتال في الأشهر الحرم هو جرم عظيم و انتهاك لحرمات هذه الأشهر
.
وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
والقتال في الشهر الحرام فيه صد عن سبيل الله
.
وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وفي القتال في الشهر الحرام كفر بالله و بحرمة المسجد الحرام و مكانته
.
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ
و يخبر الله أن إخراج الكفار للمؤمنين من بيوتهم و طردهم منها هو أعظم جرما من القتال في الشهر الحرام
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ
و الفتنة التي اختلقها الكفار و التي سببت القتال في مكة وماحولها بين المؤمنين و الكفار هي أعظم جرما من كل ما ذكر سابقا
الفتنة بين الناس أعظم من القتال و القتل , و الفتنة بين الناس لا تشمل الفتنة بين المؤمنين أنفسهم , بل الفتنة بين جميع الناس على شتى أديانهم , هي أعظم جرما عند الله من الكفر بالله و انتهاك كل الحرمات
.
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا
توضح الآية بكلام واضح , أن الكفار لن يتوقفوا عن قتال المؤمنين حتى يترك المؤمنون دينهم الجديد و يعودوا لأديانهم التي خرجوا منها
الإكراه الديني و إجبار الناس على اعتناق دين ما معين ليس من عمل المؤمنين و لا من ثقافتهم ولا من دينهم , بل هم ممن يناضل في سبيل حرية الاعتقاد , و الآخرون يريدون فرض دينهم و اعتقاداتهم على المؤمنين
المؤمنون في زمن النبي هم ضحايا العنف الديني و ليسوا صانعوه
.
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
قد يقع المؤمنون ضحية الضغط الواقع عليهم , و يتركون الدين الجديد
يخبر الله هؤلاء أن من يخضع للتهديد و يقبل أن يكون ضحية للعنف الديني , فعليه أن لا ينتظر جزاء حسنا يوم القيامة
ستحبط جميع الأعمال الصالحة التي فعلها هؤلاء المرتدون عن دينهم , ضحايا العنف الديني , و سيكونون قطعا من سكان النار
بعض المؤمنون يتركون الدين الجديد و يعودون لأديانهم القديمة تحت الضغط الواقع عليهم , لكن في قلوبهم ما زال الإيمان عميقا فيها , و لذلك ترك الله الباب مفتوحا لهؤلاء لإعلان عودتهم عندما تحين لهم الظروف و يزول الضغط عنهم فقال: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ , والباب مفتوح دوما لإعلان العودة لغاية الموت
لم يوجب الله أي عقوبة على ضحايا العنف الديني , وعقوبتهم الوحيدة هي النار
.
نتائج
المؤمنون في زمن النبي كانوا ضحايا للعنف الديني من قبل غيرهم
فرض القتال على المؤمنين وهم كارهون للقتال و لا يريدونه , لكن الظروف العامة أجبرتهم على القتال
القتال شيء سيء و خطر جليل على المجتمعات و الله أخبرنا هذا بكل وضوح فقال جل جلاله
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
القتال شيء مكروه و الله يعلم هذا , لكن لله حكمة عظمى في وجود القتال في هذه اللحظات لإيقاف طغيان الآخرين على المؤمنين و وقف المذبحة التي ترتكب بحقهم
القتال في الشهر الحرام : ِ كَبِيرٌ ۖ
وفيه َصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وهو كفر بالله
وكفر بحرمة و عظمة َالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا
لن يتوقف الكفار عن قتال المؤمنين حتى يعيدوهم لأديانهم السابقة بالقوة , ولذلك فعلى المؤمنين الدفاع عن أنفسهم
القتال في هذه الآيات هو قتال دفاعي , وقد فرضته الظروف على المؤمنين , فعليهم إما أن يكونوا ضحايا للعنف الديني , وإما أن يدافعوا عن أنفسهم و حضورهم
اضطر المؤمنون للقتال دفاعا عن أنفسهم , ولولا تعرضهم للقمع الديني لما قاتلوا في كل حياتهم , ولو تركوا لوحدهم يمارسون دينهم و شعائرهم , لما رفعوا سلاحا في وجه أحد