1البعد الإنساني في القرآن
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿15﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿16﴾ الأحقاف
الخطاب هنا في هذه الآيات موجه للناس جميعهم بلا استثناء, ولم يرد بصيغة: ووصينا الإنسان المسلم
يوصي الله الناس جميعهم ببر والديهم والإحسان إليهم, ويذكرهم بالمشاق التي يتحملها الوالدين في سبيل تربية الأولاد والاعتناء بهم
بعد أن يكبر الإنسان ويصبح بالغا عاقلا راشدا, فعليه أن يشكر الله على نعمه, وإحدى هذه النعم: نعمة الوالدين الصالحين الذين تعبا في تربية هذا الولد
على الإنسان أن يعمل صالحا ويسعى لتنشئة جيل صالح كما فعل والديه معه في السابق
وضحنا في مقالات سابقة معنى لفظ الإسلام في القرآن, وأنه يعني الاستسلام لله وتسليم كل شيء له والاعتماد عليه, ونورد هنا بعض الآيات التي توضح هذا المعنى
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿127﴾ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿128﴾ البقرة
يدعو إبراهيم وإسماعيل هنا ربهما أن يجعلهما مسلمين, ولفظ مسلم هنا لا تعني الانتماء لدين الإسلام الذي أتى به النبي محمد, بل تعني: أن يجعل الله إبراهيم وإسماعيل من المستسلمين لله وحده والمخلصين في عبادته, راجع معنى لفظ الإسلام هنا في تفسير الطبري
الإنسان الذي يشكر نعم الله عليه ويدعو لوالديه ويدعو الله أن يجعله من المخلصين المستسلمين له, هو شخص نال رضى الله ومحبته, بغض النظر عن دينه وطائفته ومذهبه
قال تعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ
يتقبل الله من هؤلاء البارين أعمالهم الحسنة ويتجاوز عن سيئاتهم ويدخلهم الجنة بحسن معاملتهم لآبائهم وبرهم لهم وسعيهم لنقل هذه التجربة للأجيال القادمة
لا يشترط الله هنا أي انتماء لأي مذهب أو دين معين, ولم يخاطب طائفة بعينها, بل خاطب البشرية جمعاء, كل من يفعل ذلك و يكون من المستسلمين لله, فله حسن الجزاء والعفو عن الذنوب