أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 3
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴿50﴾ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴿52﴾ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿53﴾ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿54﴾ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿55﴾ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
سورة التوبة
تأملات في الآيات
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ
هؤلاء الكفار يعيشون مع النبي في المدينة , وعندما تصيب النبي مصيبة يفرحوا بها و يشمتوا , و لكن يحزنون إن كان النبي في خير ونعمة
ومن الواضح من الآية أن هؤلاء يظهرون مشاعرهم تجاه النبي بكل حرية ولا يخافون أن يعاقبهم النبي على إبداء مشاعرهم
لا بد من التذكير أن هذه السورة نزلت في غزوة تبوك عام 9 هجري , أي بعد أن كان للنبي دولة و جيش و شرطة و قادر على تطبيق أي عقوبة بحق أي شخص , و قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا
يعلم الله نبيه كيفية التعامل مع هؤلاء , فيأمره أن يقول لهم : أن الخير و الشر بيد الله , و فرحكم أو شماتتكم بنا لن تغير شيئا من أمر الله
من الملاحظ أن الله لم يأمر نبيه بقمع هؤلاء و محاسبتهم على إبداء شماتتهم بالنبي , وحزنهم على الأمور الجيدة التي تصيبه , بل أمر الله نبيه أن يرد عليهم بالقول فقط , و تصحيح مفاهيمهم الدينية
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ
وهنا تأتي العقوبة من الله تعالى , و يخبر نبيه أنه لن يتقبل منهم أي عمل صالح سيفعلونه , و أن كل نفقاتهم لن تكون في صالحهم يوم القيامة , حتى لو أنهم أنفقوها في سبيل الله
و سبب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم فاسقون
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ
و أحد أسباب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم كفروا بالله و رسوله و يتكاسلون عن الصلاة و ينفقون في سبيل الله وهم كارهون للإنفاق
وهنا يشير الله بكلام واضح لا شك فيه أن هؤلاء كفار بالله و رسوله
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
وهنا عقوبة اخرى بحق هؤلاء , وهي ان الله سيجعل أموالهم و اولادهم سبب شقاء لهم
و الأسرة التي يعيش الآباء فيها في تخبط فكري وديني , ولا يستطيعون اتخاذ مواقف واضحة و حاسمة حيال هذه المواضيع , ستعيش بلا شك حالة عذاب , و يكون المال و الأولاد فيها مصدر عذاب للآباء
أسرة غير مستقرة , تنتج أطفال غير مستقرين , فينتج عنها حالة فوضى وعذاب للآباء و الأبناء
من التحليل المبسط السابق نستطيع استنتاج بعض الملاحظات
صرحت الآيات بما لا يقبل الشك أن هؤلاء الناس كافرون بالله و رسوله
يعيش هؤلاء الكفار في المدينة مع النبي بسلام , ولا يخافون من إبداء مشاعرهم تجاه النبي و الدين و النظام الاجتماعي كله
لا يوجد في مجتمع المدينة الذي أسسه النبي أي إكراه على فكر و دين معين , و للجميع حرية الرأي و التفكير و التعبير عن آرائهم , حتى لو كانت هذه الآراء متعلقة بشخص النبي
كل الأحاديث التي تتكلم عن وجود إرهاب فكري في عصر النبي هي أحاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات
كل الأحاديث التي تتكلم عن اختفاء غير المسلمين من المدينة , و أن مجتمع المدينة لا يحتوي إلا مسلمين صالحين هي احاديث باطلة ولا شك
حرية الاعتقاد هي حرية مقدسة في القرآن , حتى لو كان هذا الاعتقاد مما يصادم الإسلام و يناقضه
أشارت الآيات إلى حصول أذى مباشر بحق النبي , و إساءة علنية , ومع كل ذلك لم يأمر الله نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحق هؤلاء , و بالتالي نستطيع الجزم بأن كل الأحاديث التي تتكلم عن عقوبة المسيء للنبي هي احاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات