أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 1
لا يمكن أن تكون العلاقة مع الله بالإكراه , وهذا المعنى يتم تأكيده بشكل دائم في القرآن,
هذا هو المقال الأول عن أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿54﴾ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿55﴾ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
سورة المائدة
نقوم بالتركيز على سورة المائدة في البحث و التفسير و استنتاج الأحكام الدينية , لأنها آخر سورة نزلت على رسول الله , و بمعنى أدق : قبل وفاة النبي بثلاثة أشهر
أي أن هذه السورة قد رسمت الملامح النهائية للمجتمع المسلم و قواعده و قوانينه قبل انتقال النبي إلى جوار ربه
تأملات في الآيات
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
في هذا الجزء من الآية تهديد واضح للمؤمنين من أصحاب رسول الله , بأنهم ان تركوا الدين و عادوا إلى أديانهم السابقة , فإن لهم عقوبة قاسية من الله , و هذه العقوبة هي : أن الله سيستبدلهم و يأتي بأناس خير منهم
و يظهر أن هذه الجماعة هي مجموعة كبيرة , لأن الله توعدهم بأن يستبدلهم ب (قوم) و ليس بأفراد
و الخطاب منذ البداية كان: يا أيها الذين آمنوا , وهو يخاطب عموم المؤمنين , هذا يشير إلى وجود أعداد ليست قليلة من الذين يريدون ترك الإسلام
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ
يعدد الله هنا صفات القوم الآخرين , الذين سيأتي الله بهم بديلا عن المؤمنين المرتدين
يحبون الله و الله يحبهم , و أذلة على المؤمنين و أعزة على الكافرين , و يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون أحدا إلا الله
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
يذكر الله هؤلاء المؤمنين الذين يفكرون بترك الإسلام بأمور أساسية : و هي أن ولاء المؤمن يجب أن يكون لله و لرسوله و للجماعة المؤمنة , وليس لفئات أخرى تتربص الشر بالمؤمنين
و المشكلة الرئيسية لدى هؤلاء , هي مشكلة الولاء لله و لرسوله و لقضية الدين الجديد , فلفظ الولاء للجماعة المؤمنة تكرر أكثر من مرة في وصف مشكلة هذه المجموعة
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
يكرر الله على مسامع هذه المجموعة , أن الولاء للجماعة المؤمنة هو الولاء الصحيح و المطلوب من المؤمنين جميعا , و أن الجماعة المؤمنة هي الجماعة التي ستفوز بالنهاية
ومن المؤكد حسب كل علماء القرآن , أن هذه الآيات نزلت بعد استقرار الأمور و إقامة الدولة الإسلامية التي يقودها النبي محمد عليه الصلاة و السلام , و كان النبي قادر على إيقاع أي عقوبة بحق من يريد ترك الإسلام , ومع كل ذلك , لم يأمر الله نبيه بعقوبة أي شخص , ومن أراد الدخول في الإسلام فله ذلك , ومن أراد الخروج فله ذلك
من التحليل السابق للآيات نستطيع استنتاج بعض الملاحظات
عقوبة الاستبدال هي العقوبة الوحيدة لحركة الردة عن الإسلام ولا يوجد أي عقوبة دنيوية على تارك الإسلام
لم يأمر الله نبيه باتخاذ أي عقوبة بحق هؤلاء الذين يريدون ترك الإسلام و الردة عنه , مع قدرة النبي على فرض أي عقوبة , وإنما أخبرهم: أنهم إن ذهبوا فسيأتي من هو خير منهم
لا مجال للإكراه في الدين , سواء داخل الإسلام أو خارجه , وكل علاقة مع الله تفرض بالقوة فهي تعارض الإسلام
روى البخاري حديثا منسوبا للنبي : من بدَّل دينه فاقتلوه , ومن الواضح أن هذا الحديث يتعارض مع الآيات السابقة , وهو حديث باطل بلا شك و لا أصل له