معنى لفظ ( الإسلام ) في القرآن 2
يكمن الجمال دوما في خلق الله , والكمال في صفات الله و كلامه و رسالاته , و أي محاولة للتجديد الديني لا تنطلق من مسلمة أساسية وهي : أن الكمال لله وحده , و الخلاص في أوامره و نواهيه التي وضعها في كتابه , فهي محاولة محكوم عليها بالفشل منذ البداية, لفظ الإسلام مثلا هو نموذج صارخ للتحريف المتعمد لجماله و عموميته و عالميته, ومحاولة قسره على معاني لا يحتملها
نحاول في هذه المقالات إعادة توضيح معنى هذا اللفظ
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
سورة البقرة
تأملات في الآيات
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
قال الطبري : وَاجْعَلْنَا مُسْتَسْلِمَيْنِ لِأَمْرِك خَاضِعَيْنِ لِطَاعَتِك , لَا نُشْرِك مَعَك فِي الطَّاعَة أَحَدًا سِوَاك , وَلَا فِي الْعِبَادَة غَيْرك . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِسْلَام الْخُضُوع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ
من ملاحظة الآيات نجد ما يلي
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
المتكلم و الداعي هنا هما إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام اثناء بنائهما للبيت
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ
يلاحظ في كلا اللفظين أنهما ارتبطا بحرف الجر (لك) , وهي تشير و تؤكد إلى معنى الاستسلام لله و توحيده و الانقلاب إليه وحده , وهو ما شرحه ووضحه الطبري , لكن بدون أن ينتبه أو يؤكد على وجود حرف الجر
ورد لفظ الاسلام هنا مع أنبياء سابقين للنبي محمد و دعوته , و التصق كذلك بحرف الجر (لك) , وهو ما يؤكد أن اللفظ يعني إسلام الوجه لله
لا يحمل هنا لفظ الإسلام أي إشارة إلى دين الإسلام الذي يتضمن الإيمان بالنبي محمد و أركان الإسلام من صلاة وصيام و حج , فهذه العبادات نشأت مع دعوة النبي محمد عليه السلام , ولم تكن قبله , وليس من المعقول أو الممكن أن يكون إبراهيم و إسماعيل يقيمون الصلوات الخمس و يصومون رمضان
إن جعل لفظ الإسلام هنا حاملا لمعنى الدين الذي اتى به النبي محمد , ونقيضه حسب التعريف الفقهي هو الكفر و الأديان الباطلة الغير معترف بها من قبل المنظومة الدينية الرسمية , يجعل إبراهيم عليه السلام و ابنه كفرة , و يدعون الله أن يهديهم و يدخلهم إلى الإسلام , حاشاهم من ذلك
حالات الزهد و التقوى و الإحسان و غيرها هي حالات تحتاج إلى عمل دؤوب و عبادات كثيرة كي يصفو القلب و يتحقق الإنسان بهذه الحالات , ولذلك يدعو النبيين و الصالحين أن يوفقهم الله لتلك الحالات , وما فعله إبراهيم هنا لا يتعدى هذا المجال , من دعوة الله أن يهيئ له هذا المقام العالي المسمى الإسلام
كما ورد في كثير من الأحاديث الواردة عن النبي محمد عليه السلام حين كان يدعو الله أن يهديه إلى الصالح من العمل و المقامات من زهد و إحسان و غيرها
و كمال الإسلام لله تعالى , يكون بالتسليم الكامل له و عبادته مخلصا له الدين , وهو المعنى المراد من لفظ الإسلام في هذه الآيات الكريمة
نستطيع القول هنا و بكل تأكيد أن لفظ الإسلام هنا يشير إلى حالة الإسلام لله و ليس إلى دين الإسلام المتضمن الإيمان بالنبي محمد عليه السلام والقرآن الكريم