يعتقد الكثير من المؤمنين , أن اتباع عقيدة معينة هو عمل كافي لدخول الجنة , لكن القرآن يشدد عموما على العلاقات الاجتماعية كأساس لدخول الجنة , في حال كانت هذه العلاقة منظمة ونافعة للجميع
هل المسلمون فقط هم من يدخل الجنة و يؤتون الأجر العظيم
وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
سورة النساء مدنية
من تأمل الآيات نلاحظ ما يلي
وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
تتحدث الآيات هنا عن أهل الكتاب , و الحديث في كامل الآيات عن أهل الكتاب
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ
تتحدث الآية هنا عن اليهود من أهل الكتاب
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
بعض أهل الكتاب يأخذون الربا مع علمهم بالنهي عن أخذه
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
أعد الله عذابا أليما للكافرين فقط من أهل الكتاب , وليس جميع أهل الكتاب
لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ
من اليهود هؤلاء راسخون في العلم
وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ
ومن أهل الكتاب أيضا مؤمنون صالحون , يؤمنون بما أنزل من القرآن , وما أنزل من قبله من الكتب
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يذكر الله هنا المصلين و المزكين و المؤمنين بالله و اليوم الآخر, و يثني عليهم و يعدهم الأجر العظيم
أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
أولئك هي إشارة للبعيد , و ليست للمذكور القريب , أي للراسخين في العلم من أهل الكتاب, وقد تحمل الإشارة للراسخين في العلم من أهل الكتاب و للمؤمنين من المسلمين
في الآيات إشارتين إلى العقاب و الثواب المتعلق بأهل الكتاب وهما
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
فالله هنا يعد الكفار فقط من اهل الكتاب بالعذاب الأليم
أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
وهنا اجر عظيم للمؤمنين من المسلمين و للراسخين في العلم من اهل الكتاب
الآيات السابقة عابت على أهل الكتاب و شنعت عليهم بعض الأفعال في حياتهم و تصرفاتهم , هي
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا
وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ
وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
وكل هذه الأشياء المذكورة (الظلم و الصد عن سبيل الله و أكل الربا و أكل أموال الناس بالباطل) هي أمور متعلقة بالحياة العامة و العلاقات بين الناس , ولم يذكر الله من ضمن هذه الأشياء عدم اتباعهم للنبي محمد , و الدخول في الإسلام
وهو مما يشير إلى أن الخلاف مع اهل الكتاب لم يكن دينيا , بل كان خلافا اجتماعيا , حول تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس في المدينة المنورة , وجعلها أفضل
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
توعدت الآيات فقط الكافرين من أهل الكتاب , وليس كل أهل الكتاب , بالعذاب الأليم
من كل ما سبق نستنتج ما يلي
الخلاف مع أهل الكتاب في القرآن هو خلاف حول العلاقات الاجتماعية في المجتمع وتنظيمها, وليس خلافا دينيا بسبب عدم اتباعهم للنبي محمد و دخولهم الإسلام
الصالحون و المؤمنون من أهل الكتاب , يدخلون الجنة مع المؤمنين من المسلمين
أثنت الآيات على رسوخ أهل الكتاب في العلم , ووعدتهم أجرا عظيما, وفي هذا تنويه عظيم على قيمة العلم و أهله بغض النظر عن عقيدة الشخص
الكافرون و المفسدون ينالون العذاب الأليم, بغض النظر عن عقيدتهم الدينية