يحتل التسامح و اللاعنف المساحة الكبرى في القرآن الكريم , حتى مع المخالفين و المستهزئين بالدين علانية و ضمن المجتمعات المسلمة تحديدا, وتوصيف المجتمع المسلم في زمن النبي بالانغلاق هو كلام عار عن الصحة
الكفار و التعامل معهم في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
المائدة
نحاول في هذه البحوث تتبع آيات القرآن في كيفية التعامل مع الكافرين , و أحكام الكافرين في المجتمع المسلم , و نود التأكيد على أن المنهج الذي نتبعه في فهم القرآن و التعامل معه يقوم على هذه القاعدة
القرآن الكريم هو المصدر الأساسي لفهم الإسلام , وكل ما وافق القرآن من الحديث يعتبر مصدرا داعما و مؤكدا و شارحا للقرآن , وكل ما خالف القرآن فهو مرفوض ولا يعتبر نبويا
شرح مبسط للآيات
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ
تنهى الآيات المؤمنين في زمن النبي محمد عن اتخاذ بعض الناس أصدقاء أصحابا و أولياء , وهؤلاء الناس هم على صنفين , و يجمعهما شيء واحد : هو اتخاذ الدين لعبا و لهوا و السخرية من شعائر الدين , وهؤلاء الصنفان هما
أهل الكتاب , و الكفار
وقد وصف الله في هذه الآيات أفعال هؤلاء فقال
اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا
اتخذوا دين المؤمنين (الإسلام) هزوا و لعبا
و في الآية التالية وصف بدقة بعض سخريتهم فقال: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا
إذا نادى المؤمنون للصلاة اتخذوها هزوا و لعبا
وقد تضمن الآيات على موضوعين هما : السخرية من دين الإسلام و شعائره , وكونهم كفار و من أهل الكتاب
وقد نبه الله إلى أن الكفار هم طائفة مختلفة عن أهل الكتاب فقال: اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ, وهذا يعني أن أهل الكتاب هم ليسوا بكفار , ولو كانوا كفارا لاكتفى بذكر الكفار فقط , فقال: لا تتخذوا الكفار أولياء
إذا نستطيع من خلال هذه الآيات التأكيد على ان أهل الكتاب ليسوا بكفارا, و لا يشملهم مسمى الكفر
بالنسبة للتعامل مع المستهزئين بالدين الإسلامي و شعائره , فقد وضحت الآيات كيفية التعامل معهم و كيفية صد سخريتهم و استهزاءهم بالدين الإسلامي, فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا
هنا ينهى الله المؤمنين في زمن النبي عن اتخاذ هؤلاء أولياء و أصحابا و أصدقاء , أي يأمر بالقطيعة معهم
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ
يصف الله هؤلاء المستهزئين بأنهم قوم لا يعقلون , ولا يدركون نتائج تصرفاتهم على المجتمع
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
والله هنا يأمرنا بمحاورتهم بهدوء و البحث معهم عن الأشياء المشتركة , و في النهاية يصفهم بأن أكثرهم فاسقون , وليسوا كلهم , وفي هذه إشارة و حض للعقلاء من هؤلاء على التدخل لمنع هذه السخرية و الاستهزاء
لا يوجد في الآيات عموما أية إشارة لقتل هؤلاء الكفرة , لا بسبب كفرهم , ولا بسبب سخريتهم من الدين الإسلامي
والآيات هنا لم تخرج عن التوصية بالحوار و النقاش بهدوء و البحث عن الأفضل لأجل عيش مشترك للجميع
هذه الآيات تنفي بشكل قاطع كل الدعاوى المتعلقة بأن العنف مصدره الأساسي هو القرآن
ففي الآيات كلام عن كفر مجموعات موجودة في المدينة المنورة, ووجود لأهل الكتاب فيها , وكلا الطرفين يسخرون و يستهزئون بالإسلام و شعائره , ولم يأمر الله إلا بالحوار و النقاش الهادئ
جاء في الحديث:
عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ . مُتفقٌ عليه
قال الجصاص
قال الشَّافعي – رحمه الله: «… مَنْ ذَكَرَ كتابَ الله، أو محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو دِينَ الله بما لا ينبغي… فقد نقض عهده، وأُحِلَّ دمُه، وبرئت منه ذمَّةُ الله عزَّ وجلَّ وذمَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
ومن مقارنة الآيات مع الحديث و كلام الشافعي , نجد أن الحديث و كلام الشافعي يناقضان بشكل كامل الآيات السابقة , ومناقضة الحديث للقرآن هو شيء كافي للحكم على بطلان الحديث و عدم صحة نسبته للنبي , بل حرمة نسبته للنبي , وكلام الشافعي قطعا باطل و مخالف للقرآن