العلاقة مع غير المسلمين 7

العلاقة مع أهل الكتاب في القرآن لها صفات و أحكام مختلفة بشكل جذري عن الأحكام الموجودة في كتب التفسير و الفقه و العقائد, نحاول هنا تسليط الضوء على نصوص قرآنية أسيء فهمها بشكل مقصود ومتعمد لوضع حواجز دينية مع أهل الكتاب, تجعل العلاقة معهم متوترة

حكم الزواج من أهل الكتاب و أكل طعامهم

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)

سورة المائدة هي آخر سورة نزلت على النبي محمد بإجماع عامة علماء القرآن , هي وسورة إذا جاء نصر الله , وقد ورد في آيتين منها لفظ أحل لكم الطيبات , وهذا يشير إلى كون الطيبات محرمة قبل نزول هذه الآيات ,

ولنلق نظرة في أوامر التحليل التي جاءت في هذه الآيات

قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ

وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ

وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ

وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ

إن جعل لفظ أحل بمعنى الإباحة بعد التحريم و المنع في هذه الآيات , يصطدم بعدة عقبات , تجعل هذا المعنى غير مقبول, فمثلا في لفظ الطيبات نلاحظ ورود آيات كثيرة سابقة أباحت و طلبت من المؤمنين استعمال و أكل الطيبات , ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعضها

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وهذه الآيات من سورة الأعراف المكية

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
سورة النحل مكية

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

سورة الإسراء مكية

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
غافر مكية

يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
المؤمنون مكية

يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
البقرة مدنية وهي أول سورة نزلت في المدينة

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
البقرة مدنية

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
البقرة مدنية

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
الأعراف مكية

كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى
طه مكية

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
النور مدنية

من الواضح من خلال الأمثلة السابقة , أن الله أمر الناس و المؤمنين بأخذ الطيبات , و الإنفاق منها , و أكلها من قبل نزول سورة المائدة بكثير , و بالتالي لا يمكن فهم لفظ (اليوم أحل لكم الطيبات ) على أنه إباحة بعد منع في هذا اليوم , وهو يوم عرفة من حجة الوداع

من مقارنة أعمال الحج نجد وجود تحللين , الحل الأصغر ويكون أول أيام العيد صباح العاشر من محرم , بعد رمي جمرة العقبة , و يحل للحاج كل شيء ماعدا النساء
أما التحلل الأكبر فيكون بعد طواف الإفاضة , و يحل له وقتها كل شيء

و الظاهر أو الواجب أن تكون آيات سورة المائدة التي تكلمت عن إباحة الطيبات و النساء معا , مما نزل بعد طواف الإفاضة و انتهاء كل شعائر الحج, حيث تكلمت الآيات عن إباحة المؤمنات كذلك, فهل كان الزواج من المؤمنات محرما قبل نزول هذه الآيات

إذا لفظ أحل لكم هنا يعني إباحة هذه الأشياء بعد منع مؤقت بسبب شعائر الحج , و ما فهمه الفقهاء والمفسرين من أنها تعني الإباحة بعد تحريم ومنع سابق , هو فهم خاطئ , وتفصيلاتهم حول الزواج من أهل الكتاب و أكل طعامهم كلها تفسيرات خاطئة , لا أساس لها من الصحة

ونساء أهل الكتاب و طعامهم وكل ما يتعلق بهم , هي مباحة إباحة أصلية قديمة , ولم تتم إباحتها بسبب هذه الآيات, أي بمعنى أن هذه الأشياء لم تكن ممنوعة و محرمة سابقا , وجاءت هذه الآيات لتبيحها للمؤمنين

وقد ورد في السيرة و الأحاديث زواج النبي و الصحابة من أهل الكتاب قبل هذه نزول هذه الآيات , وكانوا يزورون أهل الكتاب و يأكلون طعامهم ,  وهذا يعني أنهم ارتكبوا محرما حسب فهم الفقهاء و المفسرين لهذه الايات

فحسب قولهم و شرحهم : أن هذه الايات هي التي أباحت نساء أهل الكتاب و طعامهم للمؤمنين , و قبل هذه الآيات كانت هذه الأشياء محرمة و ممنوعة , وهذا فهم سقيم خاطئ يطعن في النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام وفي مسلكهم , حيث أنهم كانوا يأكلون طعام أهل الكتاب و يتزوجون نساءهم قبل هذه الآيات