أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 4

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴿64﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

سورة التوبة 64-65

تأملات في الآيات

من الضروري التذكير أن سورة المائدة نزلت في غزوة تبوك عام 9 للهجرة , هذا يعني أنها نزلت قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا , و هذا أن يعني أنها نزلت بعد أن أسس النبي دولة الإسلام التي يقودها بنفسه , و تسري فيها أحكام القرآن , وفي تحليلنا لهذه الآيات نحاول فهم أوامر الله في كيفية التعامل مع الكفار الذين يعيشون داخل الدولة الإسلامية

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

يوجد في المدينة المنورة الكثير من المنافقين , الذين يبطنون الكفر و يظهرون شعائر الإسلام , و هؤلاء في قلوبهم يكرهون كل ما يفعله النبي و لا يريدونه , ولا يتركون مناسبة للسخرية من الدين إلا و يستغلونها لإظهار حقدهم على هذا الدين و أهله

تصف الآية مشاعر هؤلاء المنافقين و أنهم يخافون من نزول آيات تظهر خبايا نفوسهم , و الآية تقول لهم : افعلوا ما شئتم , فإن الله سيفضحكم و يظهر للناس ما تخفون في صدوركم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

عندما يسأل النبي هؤلاء المنافقين عن سبب استهزائهم بالدين ؟ يجيبون بأنهم كانوا يلعبون و يقضون الأوقات مع الأصحاب , و ليس لديهم ما يفعلونه , لذلك فقد قعدوا للاستهزاء بالدين

و يستنكر الله عليهم هذه الإجابة و يسألهم : هل اللعب والاستهزاء بالدين هو مجال لسخريتكم و قضاء أوقات فراغكم

و من المؤكد حسب الآية أن هؤلاء يسخرون من الدين علانية بدون خوف من النبي ولا من دولته , و النبي يناقشهم بكل هدوء , و لا يوجد في الآيات أي خوف من السلطة الي يملكها النبي , و أنه قادر على فرض أي عقوبة عليهم

لو كان هناك في زمن النبي قانون يمنع الاستهزاء بالدين و يعاقب عليه لما استهزأ هؤلاء بالدين في أوقات فراغهم و لهوهم

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

بعد النقاش الذي دار بين النبي و هؤلاء المنافقين حول الاستهزاء بالدين , قام هؤلاء بالاعتذار للنبي و أنهم لم يكونوا يعلمون بأنه لا يجوز الاستهزاء بالدين

يصدر الله حكمه في هذا القضية فيقول: أيها المستهزئين بالدين أنتم بين خيارين : قد نعفو عن استهزائكم , لكن المجرمين و الناس السيئين سنقوم بتعذيبهم

صرحت الآيات بأن المستهزئين بالدين قد كفروا , و أن الاعتذار لن يفيدهم بشيء , ولا حاجة لهم للاعتذار و تبرير موقفهم

صرحت الآية بأن الله سيعذب البعض من هؤلاء ليس بسبب استهزائهم بالدين , لكنه سيعذبهم بسبب إجرامهم في الأرض و إفسادهم

من التحليل السابق نستطيع استنتاج بعض النتائج

في المجتمع الذي أسسه النبي في المدينة توجد حرية تدين مفتوحة , ولا رقابة على الضمير أو الاعتقاد

يحتوي مجتمع المدينة على منافقين و كفار و غير مؤمنين , و الأحاديث التي تتحدث عن كون مجتمع المدينة هو مجتمع خاص بالمؤمنين هي احاديث تناقض هذه الآيات و تعتبر باطلة

صرحت الآيات بأن المستهزئين بالدين هم كفار

طلب الله من نبيه مناقشة هؤلاء الكفار المستهزئين بالدين

لم تنص الآيات على أي عقوبة دنيوية على المستهزئين بالدين , و تركت الباب مفتوحا لهم , فقد يغفر الله لهم سخريتهم من الدين

يعاقب الله يوم القيامة المجرمين من هؤلاء الكفار المستهزئين , أما في الدنيا فلا عقوبة على الكفار و المستهزئين بالدين