مقدمات في فهم القرآن 1

بدون فهم التركيبة السكانية والنفسية لجزيرة العرب زمن ظهور الإسلام , فإن فهم القرآن سيكون فهما مشوها و غير صحيح , هذه نبذة عن العقلية العربية البدوية في زمن ظهور الإسلام , والتي مازالت إلى يومنا هذا موجودة وملاحظة

مقدمة لابد منها في فهم نفسية العرب و حياتهم الاجتماعية زمن النبي محمد عليه الصلاة و السلام

ولد الإسلام كدين في جزيرة العرب , ولا يخفى على أي إنسان أن الكتاب المؤسس لهذا الدين هو القرآن وحده , ويلي القرآن الحديث المنسوب للنبي

ويجب على أي دارس للقرآن و الأحاديث أن ينتبه لأشياء أساسية قبل الخوض في محاولة فهم القرآن و الإسلام

كانت جزيرة العرب تتكون في غالبها من صحراء يسكنها غلب العرب و وهم بدو أصيلون , يعيشون حياة البداوة و التنقل و الترحال

ويوجد في الجزيرة أيضا بعض المراكز المدنية من مثل مكة و المدينة و بعض القرى الصغيرة , وهي لا تختلف في تركيبتها السكانية عن البدو العرب ولا عن ثقافتهم , لكن فيها شيء من ثقافة المدينة , لكن هذا لا يغير شيئا في كونهم عرب ثقافة و تكوينا

وفي الصحراء العربية لم يكن هناك مدارس و لا جامعات ولا مراكز علمية , وكان معظم , إن لم نقل كل العرب أميين , ماعدا بعض الأفراد الذين يحسنون القراءة و الكتابة , وهم أفراد يعدون على أصابع اليد

ثقافة البدوي بسيطة و شفهية و غير معقدة , ولا تستطيع حفظ القوانين و المجلدات و تتبع الأوامر و الخضوع للدولة , و هذه الأشياء , الدولة و القانون و الأوامر هي ثقافة غريبة و غير مقبولة أو مستساغة لدى العربي البدوي

هذا التقديم و الشرح المبسط لنفسية و عقلية البدوي العربي هي شيء بديهي و معلوم لكل شخص , من يوم أن ولدت الصحراء و البداوة إلى يومنا هذا , و لا يختلف العربي البدوي في صحرائه في عقليته , عن البدوي الذي يعيش في صحارى الأسكيمو

وهذا التقديم و الشرح ضروري جدا إلى أبعد الحدود , لكل من يحاول فهم القرآن و الإسلام , وكل من لم يستحضر هذه الخلفية النفسية للبدو اثناء محاولته فهم الإسلام , فإنه بلا شك سيفهم الإسلام بشكل خاطئ

لعبت العقلية العشائرية ومازالت تلعب عند العرب إلى يومنا هذا الدور الأكبر في تصرفات الأفراد , ولا شيء يعلو عند البدوي على القبيلة و العشيرة , حتى الدين نفسه , فإنه يأتي في مرحلة متأخرة عن الولاء للقبيلة

و الدارس للتاريخ الإسلامي و خاصة الأموي , يجد أن القبيلة إلى ما بعد نشوء الإسلام بقرن كامل , ظلت تلعب الدور الأكبر في السياسة و الدين و المجتمع , و بعض الأحاديث و القصص التي تحكي عن تحول البدو إلى مواطنين صالحين و تخليهم عن الولاء للقبيلة لصالح الدين خلال سنوات بسيطة من عمر الإسلام , تحتاج بلا شك إلى التشكيك بصحتها

تغيير المجتمعات من حالة البداوة إلى حالة الدولة يحتاج بلا شك إلى أجيال كثيرة , وعمل دؤوب من قبل دولة تمتلك إمكانيات ضخمة , لتجبر الناس على التمدن و التحضر والابتعاد عن حياة البداوة

وفي تجربة المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود في تحضير البدو في جزيرة العرب عند تأسيسه للدولة السعودية نموذج حي , مدروس و مراقب و ضمن سجلات , ومع وجود إمكانات مادية هائلة للدولة السعودية , وتنظيم عالي للدولة و الاستعانة بخبرات دولية لم تكن متوفرة للبشرية من قبل , ووجود مدارس في كل حي و جامعات عالية المستوى, ومع كون البدو مسلمون و ملتزمون دينيا بدقة عالية , احتاج هذا الأمر من الدولة السعودية إلى قرن كامل لتحضير البدو , ومع كل هذا  مازالت العشيرة و القبيلة تلعب عند المواطنين السعوديين الدور الأكبر في حياتهم و مجتمعاتهم وتحركاتهم

هذه الخلفية النفسية الاجتماعية ضرورية جدا لدارسي الإسلام , وبدونها لا يمكن فهم الإسلام