القتال في القرآن 3

متى يجب على المؤمن القتال ؟ و ماهي أسباب القتال؟

كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ (7) كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ (8) ٱشۡتَرَوۡاْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلٗا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (9) لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ (12) أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (13) قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ (14) وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)

سورة التوبة

.

تأملات في الآيات

نحاول في هذه التأملات فهم سياق الآيات و أسباب القتال الحاصل بين المؤمنين و غيرهم , وهذ أسباب القتال هي أسباب دينية ؟ أي نقاتلهم لأنهم كفار
أم أن أسباب القتال هي أسباب دفاعية و هي بسبب تعدي الكفار على المؤمنين ,  ولذلك وجب على المؤمنين الدفاع عن أنفسهم؟

.

كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ

يخبر الله و نبيه أن من عادة المشركين نقض العهود , وهناك قسم منهم قد عاهد النبي عند المسجد الحرام

حتى هؤلاء الذين عاهدهم النبي عند المسجد مشكوك في تمسكهم بالعهود المبرمة , و لذلك يأمر الله نبيه أن يتمسك بالعهد طالما أنهم متمسكون به

.

كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ

يخبر الله نبيه أن هؤلاء المشركين لا عهد لهم ولا ذمة , و قد نقضوا عهودهم أكثر من مرة

وفي أكثر من مرة عندما كانت تحين لهم الفرصة فإنهم كانوا بلا عهد ولا ذمة و لا شرف يوقفهم عند عهودهم

.

لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ

يؤكد الله هنا للمرة الثانية دناءة نفوس المشركين و خبثهم , و أنهم عندما ينقضون عهودهم , فلا يراعون أي مواثيق شرف أو احترام

يوضح الله بكلمات واضحة , أن هؤلاء المشركين هم الذين يعتدون على المؤمنين – و أولئك هم المعتدون

.

وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ

يأمر الله المؤمنين بقتال أئمة الكفر , و ليس عامة المشركين أو الكفار

يخبر الله المؤمنين أن عليهم الرد بقوة , في حال قام هؤلاء المشركين بالطعن بالدين و نقض المواثيق و العهود المبرمة .

يخبر الله المؤمنين أن عليهم الرد بقوة لعل هؤلاء المشركين ينتهون عن عدوانهم و طغيانهم و نقض عهودهم

.

أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ

من الواضح أن المؤمنين لا يريدون قتال هؤلاء المشركين , مع تعدي المشركين عليهم و نقضهم لعهودهم و مواثيقهم ( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم

يعدد الله هنا الأفعال الشنيعة التي فعلها هؤلاء المشركون , وهي

نكثوا أيمانهم

هموا بإخراج الرسول من المدينة التي يعيش فيها

وهم بدؤوا المؤمنين بالعدوان و الظلم

.

قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ

يحرض الله المؤمنين و يشجعهم على قتال هؤلاء المعتدين

ومن طيبة قلوب المؤمنين فإنهم مع كل الظلم الواقع عليهم من قبل المشركين , فلا توجد لديهم أي رغبة لقتال هؤلاء

لقد ظلم هؤلاء المشركون المؤمنين ظلما كبيرا , أوقع في قلوبهم ألما كبيرا , و الله يأمر المؤمنين أن يقاتلوا هؤلاء المعتدين , لعل ألم هؤلاء المظلومين يخف قليلا

.

وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ

يكرر الله هنا و يوضح الظلم العظيم الواقع على المؤمنين , و يأمرهم بالقتال لعل هؤلاء المعتدين يتوقفون عن تعديهم

.

من مجمل الآيات السابقة نستطيع تلمس أسباب الأمر بالقتال

نقض المواثيق و العهود

لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا يتركون فرصة لطعن المؤمنين في ظهورهم إلا و يغتنموها

أولئك هم المعتدون , أي الذين يعتدون على المؤمنين

نكثوا و ينكثون أيمانهم و عقودهم في كل مرة

هموا بإخراج الرسول و الاعتداء عليه

ظلموا وتعدوا كثيرا , و الله أمر بقتالهم لعلهم يتوقفون عن عدوانهم و ظلمهم ( لعلهم ينتهون) ( و يشف صدور قوم مؤمنين) ( و يذهب غيظ قلوب المؤمنين المظلومين و المعتدى عليهم )

هم بدؤوا بالعدوان و الظلم ( وهم بدؤوكم أول مرة )

.

هل للإيمان و الكفر بالله علاقة بالقتال ؟ أو هو السبب الرئيسي للقتال ؟

لم يرد في الآيات السابقة أي إشارة لكون الكفر بالله هو سبب للقتال

السبب الرئيسي للقتال هو التعدي و الظلم من قبل المشركين على المؤمنين

وردت في الآيات إشارة تفهم بشكل خاطئ ,  وسنقوم بتوضيحها

فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ

وردت هذه الآية ضمن سياق الآيات السابقة , و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة هي مجرد علامة على كون هؤلاء المشركين مسالمين و لن يعودوا للعدوان

ثانيا: في خضم القتال و الحرب , لا يمكن اختبار كل شخص , من حيث إقام الصلاة و إيتاء الزكاة , فهذه الشعائر تحتاج إلى وقت و زمان , ولا يمكن فحصها ساعة الحرب

لم يرد في الآية السابقة أي إشارة لدخول هؤلاء في الإسلام , بل ورد لفظ التوبة

لفظ و فعل التوبة يطلب من المؤمنين المذنبين ولا يطلب من غير المؤمنين

غير المؤمنين يطلب منهم الإيمان و الدخول في الإسلام , فإن أسلموا و دخلوا في الدين , ووقعوا في الذنوب و المعاصي , يطلب منهم التوبة منها

في الآية إشارة واضحة لكون هؤلاء المشركين هم أناس مؤمنين , لكنه لديهم انحرافات دينية أدخلتهم في فئة المشركين , و هذه الطريقة من التفكير نجدها عند فئات كثيرة في وقتنا الحالي

حيث نجد بعض السلفية يصفون الصوفية بأنهم مشركين لأنهم يتقربون إلى الله بالصالحين و يزورون قبور الأولياء و غيرها , مع كون هؤلاء الصوفية مؤمنين مسلمين

وهذه الإشارة هنا في هذه الآيات لفئة المشركين , تشابه لحد كبير ما ذكرناه من مثال بين الصوفية و السلفية الحالية

.

 ٱشۡتَرَوۡاْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلٗا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ

هذه الآية تشير بشكل واضح لكون هؤلاء مؤمنين بالله و رسوله و يؤمنون بكتابه و آياته , لكنهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا

من المعلوم أن كفار قريش لا يؤمنون بالكتاب من أساسه ,  ولا يعترفون به ولا بمشروعيته , و الآيات تتحدث عن أناس يتاجرون بآيات الله , ومن يتاجر بآيات الله هم تجار الدين من رجال الدين الذين يقرون بعظمة كتاب الله و حرمته , لكنهم يستغلون كتاب الله لمآربهم الشخصية

.

وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ

هنا إشارة أخرى لكون المقصودين من لفظ المشركين هم رجال الدين , فالآية أمرت بقتال أئمة الكفر , و ليس عامة الكفار

من كل ما سبق لا توجد في كل الآيات أي إشارة لكون سبب القتال هو كون هؤلاء كفار أو مشركين

السبب الرئيسي للقتال هو العدوان و الظلم , وهو واضح في كل الآيات

عندما يتعرض المؤمنون للعدوان و الظلم من قبل الآخرين فعليهم الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل

لا يقاتل المؤمنون غيرهم لأسباب دينية أو لفرض دينهم على الآخرين