العلاقة مع غير المسلمين 6
تصور الكتب الإسلامية الخلاف مع أهل الكتاب على انه خلاف ديني , بسبب عدم اتباعهم للنبي محمد و الدخول في دين الإسلام , لكن المتتبع للقرآن يجد أن هذا التصور عن الخلاف غير صحيح اطلاقا, هنا نسلط الضوء على بعض هذه الزوايا
.
وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿62﴾ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿63﴾ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿64﴾ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿65﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ
.
من ملاحظة الآيات نجد ما يلي
.
وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يشنع الله على بعض أهل الكتاب مسارعتهم في الإثم و العدوان و أكل المال الحرام , وهنا توضيح من الله تعالى على أن المشكلة و الخلاف مع أهل الكتاب هنا كامن في المعاملات بين الناس
.
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
يشنع الله على الربانيين و الأحبار , وهم علماء الدين لدى اليهود , تقصيرهم و إهمالهم لتوجيه رعاياهم من اليهود , وتركهم يفسدون في الأرض بدون تعليم و توجيه , ويصف الله تقصير أرباب الشعائر الدينية و المسؤولين الاجتماعيين بأنه من أسوء ما يكون
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ
يشترط الله على اهل الكتاب الإيمان و التقوى , حتى يغفر لهم ذنوبهم و يدخلهم الجنة
و لفظ الإيمان هنا لا يعني الدخول في الإسلام , لأن الآية التالية تحدثت عن وجوب إقامتهم لكتبهم الدينية كشرط لدخولهم الجنة
لفظ الإيمان هنا يحمل معنى التسليم لله و القبول بتعاليمه و الرضوخ لأوامره , ولا يحمل معنى التصديق و الاعتقاد , فلو كانوا غير مصدقين و معتقدين لما سماهم أهل كتاب , ولما طلب منهم الالتزام بما في الكتب الدينية
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
يشترط الله على أهل الكتاب إقامة أوامر التوراة و الإنجيل في حياتهم كشرط أساسي لدخول الجنة , ولتحصيل حياة جميلة و عيش رغد هنيء
في هذا الجزء من الآية تصريح واضح , بأن هناك تفلت و فوضى مجتمعية عميقة داخل مجتمع المدينة المنورة ومكة , داخل مجموعات أهل الكتاب , وهذه الفوضى أدت لإعاقة أي عمل أو مشروع مدني و مجتمعي يسعى لتطوير هذه المدن
و تصريح الآية بأنهم سيأكلون من فوقهم و من تحت أرجلهم في حال انضبطوا , إشارة واضحة جدا على أن الفوضى هي السبب الرئيسي المانع لأي مشاريع إنتاجية مجتمعية اقتصادية
من مجمل الآيات السابقة نستطيع تلمس غايات القرآن من غير المسلمين من أهل الكتاب
لم يطلب القرآن من أهل الكتاب ترك دينهم و كتبهم و الدخول في الإسلام
طلب القرآن من أهل الكتاب التزام كتبهم و دينهم كشرط أساسي لدخول الجنة
طلب القرآن من أهل الكتاب التزام كتبهم الدينية كشرط أساسي لتحقيق أي تطوير مجتمعي اقتصادي دائم
نددت الآيات بتقصير المسؤولين الدينيين و أصحاب المسؤوليات الاجتماعية في توجيه الناس و ضبطهم
نبهت الآيات على أن النظام و الالتزام بالقوانين هو شرط أساسي لتحقيق أي تطوير مجتمعي
التزام دين معين أو عقيدة محددة ليس له أي اعتبار أو أهمية في القرآن , لكن القرآن ينبه كثيرا من الأحيان على خطأ بعض التصورات الدينية و يحذر منها