القتال في القرآن 1
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿191﴾ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿192﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿193﴾ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
سورة البقرة
تأملات في الآيات
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا
تأمر الآيات المؤمنين بقتال من يقاتلهم , و تأمرهم بعدم التعدي على الذين يقاتلونهم أو البدء بالقتال
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ
تأمر الآيات المؤمنين بقتل الكافرين حيث وجدوهم في مكة , ومن الواضح أن القتال الحاصل هو في مكة ,كما هو مصرح به في الجزء التالي, و ليس في مكان آخر , وهذا يشير إلى أن مكان نزول هذه الآية هو مكة وليس مكانا آخر
وتشير الآية إلى أن الكفار قد أخرجوا المؤمنين من مكان ما , و الآية تأمر المؤمنين بإخراج الكفار كذلك من حيث أخرجوهم , وبرد المعاملة بمثلها
والآية تشير إلى أن أساس الخلاف هو التعدي و إخراج الكفار للمؤمنين , ولم يكن الخلاف دينيا بسبب عدم إيمان الكفار بالنبي محمد
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ
تصرح الآية أن ما حدث هو فتنة , وهذه الفتنة بين المؤمنين و الكفار هي أشد من القتال الحاصل
وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ
تؤكد الآية أن القتال في مكة و داخل أحيائها , والآية هنا تنهى المؤمنين عن قتال الكفار عند البيت الحرام , ولم تنههم عن القتال في مكة , فقال تعالى: (عند المسجد الحرام , يقاتلوكم فيه ) وتؤكد الآية أن الخلاف الحاصل هو تعدي من الكفار على المؤمنين , ويأمر الله المؤمنين بعدم مقاتلة الكفار حتى يكون الكفار هم البادئون بالقتال عند المسجد الحرام
فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
يأمر الله المؤمنين أن يكون ردهم على تعدي الكفار حاسما , فإن بدأ الكفار القتال فعلى المؤمنين قتلهم و إنهاء شرهم
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
يوضح الله هنا سبب القتال , ألا وهو الفتنة التي افتعلها الكفار , ولفظ الدين هنا كما شرحها الطبري في تفسيره ( إن الدين عند الله الإسلام) تعني الطاعة , ولا تعني عقيدة ما معينة أو دين معين
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ
التعدي في الأشهر الحرم على المؤمنين , عقابه رد التعدي من قبل المؤمنين , و التعدي على الحرمات يجب كذلك أن يقابل بالقصاص
فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ
يؤكد الله على المؤمنين , على أن التعدي من قبل الكفار لن يقابل إلا بالرد المناسب , وهو رد التعدي بكل قوة, و يأمر الله المؤمنين أن لا يتجاوزوا بالتعدي , و أن كل تعدي سيقابل بمثله , وليست الغاية التشفي , و إنما وقف التعدي
من كل ما سبق نستطيع أن نستخلص بعض النتائج
مكان القتال الحاصل بين المؤمنين و الكفار هو مكة
سبب القتال هو تعدي من قبل الكفار على المؤمنين , والاعتداء على حرماتهم , وانتهاك حرمة الشهر الحرم
القتال الحاصل هنا هو دفاع عن الجماعة المؤمنة فقط
لا يوجد في الآيات ما يشير إلى أن سبب القتال هو محاولة فرض المؤمنين الدين على الكفار , و إنما النص الوحيد الذي ورد: و يكون الدين لله , أي تكون الطاعة لله , وهو سبب من ضمن عدة أسباب , وهو يشير إلى وجود خلاف على المرجعية العليا في المدينة المقدسة
في سورة المائدة ,وهي آخر سورة نزلت على النبي و قبل وفاته بأشهر , أن القرآن سمح لغير المؤمنين في المدينة وجزيرة العرب , بل أمرهم بممارسة دياناتهم و عقائدهم , وشنع عليهم تصرفاتهم الاجتماعية الفاسدة , ولم يقترب من عقائدهم , بل أظهر لها شديد الاحترام وخاصة عقائد و كتب أهل الكتاب , ولو كانت المشكلة مع غير المؤمنين هي مشكلة إكراه على دين معين , لما أظهر هذا التسامح الكبير في سورة المائدة
أمرت الآيات المؤمنين بعدم بدء أي قتال مع الكفار, بل أمرتهم فقط برد التعدي و محاولة رد التعدي بمثله , دون أي تجاوزات
كل النصوص تشير إلى أن الكفار هم من بدء التعدي , و أن المؤمنين كانوا يقومون فقط برد فعل تجاه التعديات