القتال في القرآن 7
لماذا يقاتل المؤمن ؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7) لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
سورة الممتحنة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ
تظهر الآية الجانب البشري لدى المؤمنين في زمن النبي محمد عليه الصلاة و السلام , و أنهم لم يستطيعوا قطع علاقاتهم الاجتماعية و العائلية مع غيرهم
مازال المؤمنون يلقون بحبال المودة لأعدائهم و أعداء الله , رغم التحذيرات الكثيرة لهم بوجوب قطع جميع العلاقات مع الأعداء
أعداء الله قاموا بأفعال شريرة بحق المؤمنين, فقد قاموا بإخراج الرسول و المؤمنين من المدينة و طردهم منها لأنهم فقط مؤمنون بالله ورسوله ,
تظهر الآية كون المؤمنين هم ضحايا للعنف الديني في زمن نزول هذه الآيات
.
تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
مع كل ما فعله أعداء المؤمنين بالمؤمنين , يلقي المؤمنون إليهم بحبال المودة , وهنا تأكيد ثاني و شرح لطبيعة المؤمنين في زمن نزول هذه الآيات
يحذر الله المؤمنين من مغبة إلقاء المودة و الحب لمن يريد الشر بهم , فالكثير من الناس يظنون أن مقابلة الشر بالخير من قبل الآخرين هو ضعف و هوان
على المؤمنين أن يكونوا حذرين جدا في التعامل مع من يريد الشر بهم
.
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
عندما يلتقي المؤمنون و أعداءهم في شوارع المدينة , فإن الأعداء لا يتورعون نهائيا عن توجيه الأذى النفسي و الجسدي للمؤمنين
السبب الرئيسي لهذا العداء هو محاولة الأعداء إجبار المؤمنين على دين معين , و إجبارهم على ترك الدين الجديد الذي يعتنقونه
مظاهر العنف و الإكراه الديني واضحة في هذه الآيات , و أن المؤمنين هم ضحايا لهذا العنف
.
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ
هناك علاقات قرابة و رحم بين المؤمنين و أعداءهم , و المؤمنون مصرون على عدم قطع هذه الأرحام
هذه إشارة أخرى لطبيعة المؤمنين البشرية , و أنه مع كل التحذيرات لهم بوجوب قطع علاقات المودة مع من يريد الشر بهم , إلا أن الطبيعة البشرية تنتصر على كل التحذيرات الدينية و الأوامر الإلهية , و يتابع المؤمنون تواصلهم الاجتماعي مع أقربائهم
.
عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
هذه الآية اعتراف بأن الطبيعة البشرية للمؤمنين ستنتصر على كل التوجيهات الدينية , فيخبر الله المؤمنين أنه من الممكن أن تتحول حالة العداء بينهم و بين أقاربهم إلى حالة ود و حب , و ينتهي الشر الكامن في قلوبهم ضد المؤمنين
.
لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
للمرة الثانية يخبر الله المؤمنين أنه لا توجد أي مشكلة في إقامة علاقات حب و مودة مع غير المؤمنين من الأقارب و الأرحام , بشرط أن لا يكونوا ممن يضمرون الحقد و العداء و يريدون الشر بالمؤمنين
من الأفضل للمؤمنين أن يصلوا أرحامهم و يبروهم و يقسطوا إليهم , مع كونهم غير مؤمنين , لكن يجب الحذر مع من يريد الشر بالمؤمنين و جماعتهم
وصف الله من يحسن لأقاربه الغير مؤمنين و يحبهم و يودهم بأنه من المقسطين الذين يحبهم الله
.
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
النهي عن الحب و الود لغير المؤمنين محصور فقط بمن يريد بهم الشر , و بمن يقاتل المؤمنين لإجبارهم على اعتناق دين معين
هذه إشارة أخرى لكون المؤمنين ضحايا للعنف الديني زمن نزول هذه الآيات
نتائج
لا بد من التذكير أن سورة الممتحنة نزلت عام 6 للهجرة , بعد غزوة الخندق , وقد كان النبي وقتها منتصرا و يملك جيشا و قوة و قرار , ومع ذلك فقد كان أتباع النبي من المؤمنين ضحايا للعنف الديني
تشير الآيات السابقة لكون النبي كان يقود دولة منفتحة ذات أديان متعددة , و يحترم في هذه الدولة كل الأديان , وهذه الدولة ذات تسامح عريض جدا في المجال الديني
مع كل هذا التسامح في دولة النبي , فقد كان المؤمنون زمن نزول هذه الآيات هم ضحايا للعنف الديني , و أقاربهم يجبرونهم على اعتناق دين معين
القتال في هذه الآيات هو حالة دفاعية , للدفاع عن قيم الحرية الدينية , و لمحاربة العنف الديني الواقع على المؤمنين