موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 7

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

طلبت الآية من اليهود و النصارى التوبة و الخضوع لله و الامتثال لأوامره , وهم إن فعلوا ذلك فسيدخلون الجنة حتما

لم تطلب الآية من اليهود و النصارى التحول للإسلام حتى يدخلوا الجنة

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ

تؤكد هذه الآية المعنى السابق وهو التقوى و الخضوع لله و التوبة له , و ليس التحول إلى الإسلام

إن التزم اليهود و النصارى بكتبهم الدينية المنزلة إليهم من ربهم فستصبح حياتهم نعيما لا نهاية له

تصف الآية أن الكثير من اليهود و النصارى متفلتون و غير ملتزمين دينيا , لكن هناك صالحون منهم و أتقياء

من مجمل الايات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

أثبت الآيات صحة التوراة و الإنجيل و عدم وجود تحريف أو نسخ فيهما

طالبت الآيات اليهود و النصارى بالتزام دينهم , ولم تطلب منهم التحول إلى الإسلام

لم تطلب الايات من اليهود و النصارى اتباع القرآن , بل طالبتهم بالتزام كتبهم , و الله لا يطلب من الناس التزام كتب محرفة أو كتب غير موجودة بنسختها الأصلية التي أنزلها الله

التزام الشخص بتعاليم دينه أيا كان دينه هو الشيء الوحيد المطلوب كي يدخل الجنة و يعيش حياة طيبة حسب الآيات

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 6

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)

سورة المائدة

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

أرسل الله نبيه عيسى ليصدق مافي التوراة , وهذه إشارة لكون التوراة في زمن نبي الله عيسى صحيحة و غير محرفة ولم ينسخها نزول الإنجيل  

يصف الله الإنجيل بأنه هدى ونور و موعظة للمتقين الصالحين , و لفظ الصالحين يشمل الصالحين من كل الأديان , وليس المسيحيين فقط

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

يأمر الله المسيحيين بالتحاكم إلى الإنجيل , ومن لم يقبل من المسيحيين حكم الإنجيل فهو فاسق

هنا إشارة اخرى لعدم تحريف الإنجيل في زمن النبي محمد أو نسخه , فمن غير المعقول أن يطلب الله من المسيحيين التزام أحكام كتاب محرف أو منسوخ

لم يطلب الله من المسيحيين ترك دينهم و الدخول في الإسلام

لم يطلب الله من المسيحيين ترك الإنجيل و اتباع القرآن , بل طالبهم بكلام واضح بالتزام الإنجيل ووالبقاء مسيحيين

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

أنزل الله القرآن على نبيه محمد ليصدق التوراة و الإنجيل , والقرآن يصدق كتبا صحيحة و موجودة بين أيدي الناس , وليس كتبا محرفة أو غير موجودة

طلب الله من نبيه أن يحكم بين الناس بما أنزل الله , و الله أنزل التوراة لليهود حتى يتحاكموا لها , و الإنجيل للمسيحيين حتى يتحاكموا إليه , و القرآن للمسلمين حتى يتحاكموا إليه

جعل الله لكل قوم و طائفة كتابا و دينا و تشريعا يتحاكمون إليه

لو أراد الله لجعل الناس كلهم على دين واحد , لكنه أراد بحكمته وجود هذا التنوع الديني , و على الجميع السعي إلى مرضاة الله , و يوم القيامة يجازي الله الجميع بما عملوا

وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ

يحذر الله نبيه من الاستماع و الإصغاء للناس بما يخالف كتاب الله , و أن يكون حازما صارما في هذا الباب , و أن لا يحكم إلا بما أنزل الله من كتب سماوية

من الآيات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

علم الله نبيه عيسى التوراة , وهو يشير لكونها صحيحة وغير محرفة في زمنه

طلب الله من المسيحيين التزام دينهم , ولم يطلب منهم التحول إلى الإسلام

طلب الله من المسيحيين التزام الإنجيل , ولم يطلب منهم التزام القرآن

من لم يقبل بحكم الإنجيل من المسيحيين فهو من الفاسقين

لو أراد الله أن يكون جميع الناس على دين واحد لفعل ذلك , لكن حكمته اقتضت أن يكون الناس أديان شتى

يجازي الله الجميع يوم القيامة بما عملوا , ولا فرق بينهم , و يجازى بالخير كل من أحسن عملا بغض النظر عن دينه

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 5

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)

سورة المائدة

تأملات في الآيات

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

يطلب الله من نبيه أن لا يحزن لكفر البعض من المؤمنين , و نلاحظ أن الله لم يأمر نبيه أن يقتل هؤلاء الكفرة المرتدين , بل طالبه أن لا يحزن فقط

و يطلب منه أن لا يحزن كذلك بسبب أخذ بعض اليهود لتعاليم دينهم كما يشاؤون , فيطبقون ما يعجبهم , و يتركون مالا يعجبهم

 سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

هؤلاء اليهود المتلاعبين بالدين كما يعجبهم , يأكلون المال الحرام , ومع ذلك , فلو جاؤوا إلى النبي و طلبوا منه أن يحكم بينهم في خلافاتهم , فالنبي مخير في الحكم بينهم أو ترك ذلك

ويخبر الله نبيه أن هؤلاء اليهود لن يستطيعوا إحداث ضرر بالنبي , لكنه إن حكم بينهم فعليه أن يحكم بالحق و العدل , ولو كانوا أناسا غير جيدين

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

ومن الغريب أن يأتي هؤلاء إلى النبي و يطلبوا منه الحكم بينهم , مع أن التوراة موجودة بين أيديهم

وصف الله التوراة التي بين أيدي اليهود في زمنه النبي أن فيها حكم الله , ولم يقل أنها محرفة أو منسوخة و لا يجب العمل بها

ومع وجود التوراة كتاب الله العظيم بينهم , تجدهم يعرضون عنها , و تصف الاية هؤلاء أنهم غير مؤمنين

من يملك التوراة ولا يحتكم إليها فهو غير مؤمن (و الكلام هنا عن اليهود)

 إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

يخبر الله نبيه و المؤمنين أنه قد أنزل التوراة , و أنها هدى ونور منه , ومهمة النبيين والربانيين أن يحكموا بها بين اليهود , ومن المعلوم أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو نبي , ومهمة نبينا محمد أن يحكم بين اليهود بالتوراة

التوراة كتاب غير محرف ولا منسوخ حسب هذه الآية , ولو كانت كذلك , فكيف سيحكم النبي محمد و غيره من الأنبياء بكتاب منسوخ و محرف

بكلام واضح و صريح يقرر الله , أن من لم يحكم بالتوراة فهو كافر

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

يورد الله بعض ماحكم به في التوراة من أحكام و ينهي الآية بقوله تعالى :ومن لم يحكم بالتوراة فهو من الظالمين

من مجمل الايات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
في التوراة التي كانت في زمن النبي حكم الله تعالى

ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
من يرفض من اليهود حكم الله الموجود في التوراة فهو من الكافرين

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ
أنزل الله التوراة وفيها هدى ونور

يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
مهمة الأنبياء ومنهم النبي محمد و الربانيين و الأحبار الحكم بالتوراة.

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
من لم يحكم ولم يقبل بحكم الله الموجود في التوراة فهو كافر.

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
من لم يحكم بما أنزل الله (بالتوراة) فهو ظالم

التوراة في زمن النبي لم تكن كتاب محرفا ولا منسوخا

القول بتحريف القرآن هو قول يهارض و يناقض القرآن

لم يطلب الله من اليهود ترك دينهم و الدخول في الإسلام , ولم يطلب منهم ترك الاحتكام للتوراة و اتباع بالقرآن

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 4

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)

سورة آل عمران

تأملات في الآيات

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

يبين الله في هذه الآية أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل , إلا ماحرم إسرائيل على نفسه

هنا نقاش دائر بين النبي محمد و اليهود حول حرمة بعض الأطعمة , وقد طلب النبي من اليهود أن يأتوا بالتوراة فيتلوها , ففي التوراة الحسم حول هذا الموضوع

لا يمكن أن تكون التوراة كتابا محرفا في زمن النبي , لأن الله طلب من اليهود أن يأتوا بها و يتلوها , ولو كانت محرفة لقال لهم : كتابكم محرف محرف ولا نقبل به حكما في هذا الموضوع

لم تكن التوراة في زمن النبي كتابا منسوخا , ولو كانت كذلك لقال الله : لقد أرسلت لكم كتابا (القرآن) , وهذا القرآن يغنيكم عن التوراة و فيه حكم الله النهائي ولا حاجة بكم لمراجعة التوراة

لا يمكن القبول بأن التوراة حرفوا بعض التوراة  وتركوا بعضها , ومن يزعم أنهم قد فعلوا ذلك فعليه أن يثبت هذا التحريف من خلال كتاب الله , وليس من خلال آراء و اجتهادات خاصة به

لم ينبه الله على قضية التحريف المزعوم للتوراة و الإنجيل في أي مكان في القرآن , ومن يقول بهذا القول فعلي أن يأتي بأدلة من القرىن حصرا , وليس من كتب تاريخية و ثقافية

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 3

الم (1) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)

سورة آل عمران

تأملات في الآيات

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ

يخبر الله نبيه أنه قد أنزل عليه القرآن , ومهمة هذا القرآن تصديق التوراة و الإنجيل التي كانت موجودة في زمن النبي

ليست مهمة القرآن تكذيب مافي التوراة و الإنجيل أو نسخها

تثبت الآيات وجود التوراة و الإنجيل بنسختها الصحيحة و الأساسية في زمن النبي محمد , ولو كانت هذه النسخ الصحيحة غير موجودة , لكانت الآية : لا توجد نسخ صحيحة لهذه الكتب , وما بين أيديكم محرف , وعليكم اتباع القرآن فقط

القرآن يصدق وجود كتب موجودة , و ليست كتب لا وجود لها , و إلا كانت الآية لامعنى لها .

الكلام عن اتباع القرآن فقط هو كلام عار عن الصحة و مخالف لهذه الايات

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 2

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

أخذ الله ميثاق النصارى أن يبلغوا رسالة الله , لكنهم أهملوا هذه المهمة , فعاقبهم الله على هذا الإهمال أن جعل مجتمعاتهم متخبطة , يعادي بعضهم بعضا

من يهمل القوانين الإلهية التي وضعها الله لهذا الكون , فمصيره التخبط , لأن لهذا الكون قوانين دقيقة , ومن يهمل القوانين و يتجاوزها , فهو الجاني على نفسه

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

الخطاب هنا موجه لأهل الكتاب , و قد يكونوا اليهود أو النصارى

يخبر الله أهل الكتاب أنه قد أرسل رسولا من عنده , ليبين للناس ما أخفاه اليهود و النصارى من كتبهم

هذه الآية تشير إلى أن مهمة النبي هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل , وهذه الآية تشير بوضوح إلى أن هذه الكتب غير محرفة و هي كتب صحيحة غير منسوخة

لا يمكن أن يرسل الله رسوله كي يبين و يشرح كتبا محرفة أو منسوخة

إذا كان القرآن هو الكتاب الذي أنهى التعامل بالتوراة و الإنجيل , فلماذا يخبرنا الله أن مهمة نبيه هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل

لن يقوم النبي محمد عليه الصلاة و السلام بإظهار كل ما أخفاه و فعله رجال الدين , بل سيعطي أمثلة لتهاونهم و تلاعبهم بدين الله , و سيعفو عن كثير من تدليسهم على الناس

قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

يصف الله ما أرسله لليهود و النصارى بأنه نور و كتاب مبين

القول أن التوراة و الإنجيل هي كتب محرفة في زمن النبي هو قول يعارض القرآن , فقد وصف الله هذه الكتب وهو يخاطب اليهود و النصارى : لديكم أيها اليهود و النصارى بين أيديكم نور و كتاب مبين قد أرسلته لكم

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

يتابع الله وصفه للتوراة و الإنجيل و يقول : أن من يتبع هذه الكتب فقد اتبع رضوان الله

هذه الكتب (التوراة و الإنجيل) تخرج الناس من الظلمات إلى النور

تهدي هذه الكتب إلى صراط مسستقيم

بعض النتائج المستخلصة من هذه الآيات

مهمة النبي محمد تبيين مافي التوراة و الإنجيل التي كانت في عصره , و ليست كتبا غير موجودة أو مفقودة

لا يمكن أن تكون التوراة و الإنجيل محرفة ومنسوخة , لأن مهمة النبي شرح و تبيين هذه الكتب.

هذه الكتب نور وهدى من الله

هذه الكتب تهدي إلى صراط مستقيم

يخرج الله بهذه الكتب الناس من الظلمات إلى النور

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن الكريم 3

يمكن وصف سورة المائدة بأنها سورة التسامح أو سورة الانفتاح على الآخر , وهذا شيء طبيعي , لأنها كلمة الله الأخيرة لهذه الأرض التي تبحث عن سعادتها

يمكن لأي قارئ للقرآن الكريم أن يلاحظ أن سورة المائدة , هي سورة التسامح و الانفتاح على الآخر , وهي آخر سورة نزلت على رسول الله , وهي تعني : أن رسالة الله إلى الأرض قد تمت , و ذلك بالتأسيس للانفتاح اللامحدود على الآخر

نحاول هنا في هذه السطور متابعة أوامر الله في بناء المجتمع المثالي الذي يريده الله على هذه الأرض

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿43﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿44﴾ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
سورة المائدة

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

تصف الآية مشاعر و أفكار اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة في جوار النبي محمد , و الآية هنا تمتدح التوراة , الكتاب العظيم و الهدي المبين , الذي أرسله الله لهذه البشرية

والله يقرر و يؤكد أن حكم الله و مراده موجود في التوراة , واليهودي الذي يترك التوراة و يذهب لغيرها , فإن في إيمانه خلل شديد , حسبما تصف الآية ذلك

ولقد جاءت الآية بصيغة الاستغراب , فكيف يلجئ اليهود للنبي ليحكم بينهم في خلافاتهم ؟ مع أن لديهم التوراة , والتوراة بما فيها من نور و هداية ربانية , كافية لحل أكبر و أعظم المشاكل

 إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ

يصف الله التوراة بأنها هدى ونور عظيم , و هذا تأكيد ثاني على أهمية التوراة و مكانتها في القرآن الكريم , و المؤمن الذي يعتقد أن التوراة كتاب غير صحيح أو غير معترف به , فإنه يخالف القرآن صراحة , و يجب عليه أن يراجع موقفه في هذه الناحية

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

يصف الله من لم يحكم بما في التوراة بأنه من الكافرين , وهذه نقطة تحتاج منا إلى التوقف قليلا

المنظومة الفقهية الدينية تصف من لم يحكم بالقرآن بأنه كافر , استنادا لهذه الآية , ومن الواضح أن هذا الاستدلال خاطئ , فالآية هنا تتحدث عن اليهود و كتابهم التوراة , وأن على اليهود تطبيق حكم الله الموجود في التوراة

و المنظومة الفقهية الحالية تحتاج إلى مراجعة دقيقة , لأن هذا تحريف واضح لكلام الله

نقطة أخرى يجب الإشارة إليها , وهي وجود غير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي محمد , فالسيرة النبوية و الأحاديث النبوية تشير إلى اختفاء غير المسلمين من المدينة كمجموعات كبرى , و بقائهم كأفراد , لكن هذه الآيات تناقض هذه الأحاديث

فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا

الآية هنا تخاطب اليهود , وتأمرهم بعدم الخوف من الناس , و أن عليهم إظهار حكم الله بدون خوف, ومن المؤكد أن هذا الخطاب لم يكن موجها لأفراد , و إنما لمجموعات كبيرة , و بعض هؤلاء اليهود ليس لديه رغبة في تطبيق أحكام التوراة , و أن لديه قوة و سطوة جعلت البعض يخاف من النطق بكلام الله و حكمه

فهذه آيات تتحدث عن مجتمع عريض من اليهود بكافة شرائحه , من رجال دين و أناس عاديين و أناس أشرار لديهم القدرة على إيذاء الناس الصالحين

 وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ

وهذا تأكيد آخر على كون التوراة هي حكم الله و كلامه العظيم , و يذكر الله هنا نموذجا لما هو موجود في التوراة من الأوامر

والله يقول ( وكتبنا عليهم فيها ) , يقصد التوراة و اليهود , و الآية هنا تتحدث عن اليهود , و تناقش علاقتهم بكتابهم , و احكام دينهم , ولا يوجد أي إشارة للمسلمين  أو القران

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

القرآن هنا منفتح على الآخرين و يهتم بشؤونهم , و يحاول مساعدتهم في الوصول إلى الله , حتى لو كانوا غير مسلمين , و ينصح القرآن هنا غير المسلمين , بالاهتمام بكتبهم و دينهم

وغير المسلمين الذين لا يهتمون بدينهم و لا يلتزمون بما ورد في كتبهم المقدسة , فهم حسب التصنيف القرآني , كفار و ظالمون

من التعليقات السابقة على الآيات الكريمة نستطيع استخلاص بعض النتائج

الأحاديث النبوية التي تتحدث عن عدم وجود غير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي , هي أحاديث غير صحيحة , لأنها تخالف القرآن

حسب الآيات السابقة , هناك وجود كبير لغير المسلمين في المدينة

القرآن كتاب عام للبشرية كاملة , وهو يخاطب المسلمين و غير المسلمين

يهتم القرآن بغير المسلمين , و يصف غير المسلمين الذي لا يلتزمون بأديانهم , بأنهم أناس كافرون و ظالمون

لفظ الكفر لا يعني حسب هذه الآية غير المسلمين , و إنما يعني كل شخص غير ملتزم بدينه , بغض النظر عن دينه

في هذه الآيات ثناء عظيم على التوراة , و أنها نور وهدى من الله , و أن التحاكم إليها هو واجب على اليهود

الكلام عن بطلان التوراة أو عدم صحتها , هو كلام عار عن الصحة , و هو يخالف القرآن

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 2

ننقل هنا نصوصا من سورة المائدة , و سورة المائدة و حسب كل المختصين بعلوم القرآن , هي آخر سورة نزلت على النبي , قبل

وفاته بثلاثة أشهر

ولذلك فإن هذه السورة وضعت القواعد النهائية للتعامل مع غير المسلمين

يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ
المائدة 19

يخبر الله أهل الكتاب أنه قد أرسل لهم رسولا , وهو النبي محمد , وقد أرسله لهم بشيرا و نذيرا , و أن الله يرسل كل فترة رسولا حتى يذكر الناس و يوقظ النائم الكسلان

يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ
المائدة 41

بعض أهل الكتاب من أهل المدينة , وقد كانوا يهودا , كانوا يتلاعبون بالدين , فتارة يؤمنون , و تارة يسارعون في الكفر , والنبي محمد عندما يرى تصرفاتهم , يحزن لترددهم هذا و تلاعبهم
يخبر الله نبيه هنا أن لا يحزن لتصرفات هؤلاء و ترددهم

وتصف الآية بعض تصرفات هؤلاء المترددين بين الكفر و الإيمان , و أنهم يحرفون كلام الله عن معانيه و مقاصده , وكونهم ممن يحرفون كلام الله عن معانيه , فهذا يعني :  أن الكلام هنا ليس عن أناس عاديين , و إنما عن رجال الدين , فرجال الدين وحدهم هم الذين كانوا يتولون شرح الكتب الدينية و إيصالها إلى الناس

يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِ

ومن المؤكد أن الخلاف هنا يدور حول التوراة , و ليس حول القرآن , فهم من اليهود , و قد خاطبهم الله بلفظ أهل الكتاب , و سماهم يهودا , و اليهود عموما لا يقبلون التحاكم إلا إلى التوراة , وهذا يشير إلى أن الخلاف بين النبي محمد و اليهود كان حول فهم التوراة و تطبيقها , و ليس حول القرآن

واليهود في زمن النبي لم يعترفوا بالقرآن كتابا منزلا من الله , وبالتالي من غير المعقول أن يكون خلافهم مع النبي حول القرآن وتطبيق أوامره

ولو قلنا أن الخلاف هنا يدور حول القرآن , فهذا يضعنا أمام مشكلة , وهي أن اليهود قد قاموا بتحريف كلام الله ( القرآن) من بعد مواضعه , وهذا كلام مرفوض و غير مقبول لعدة أسباب

من أهما: أن القرآن في ذلك الوقت لم يكن كتابا متداولا بين الناس , بل كان سورا متفرقة لدى الصحابة , وكل شخص يمتلك صفحات من القرآن

وأن القرآن هو كتاب خاص بالمؤمنين من أتباع النبي محمد , ولا علاقة لليهود به

وهنا إشارة و اعتراف ضمني بصحة و سلامة التوراة ككتاب ديني مقدس , و أن النبي محمد كان يناضل و يكافح لأجل التطبيق السليم للتوراة بين اليهود الساكنين في المدينة

يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْ
رجال الدين هؤلاء من اليهود , الذين كانوا يعيشون في المدينة المنورة بسلام و أمان , و يدل على ذلك , أنهم كانوا يسارعون في الكفر , و يظهرون شعائرهم , و يقولون لاتباعهم , إذا قال لكم محمد هكذا فاقبلوا منه , و إن قال لكم غير ذلك فارفضوه , وهذه حرية مطلقة في الشعائر الدينية في المجتمع الذي بناه النبي محمد

 و رفض و قبول لما جاء به بكامل الحرية , بدون أي خوف من عقاب ناتج عن الحرية الدينية المطلقة

ومع التردد بين الكفر و الإيمان , وتحريف كلام الله عن معانيه و مقاصده , لم يطلب الله من هؤلاء اليهود الانتقال إلى الإسلام , وترك أديانهم , ولم يطلب الله من نبيه قتال هؤلاء لأنهم كفرة , و يحرفون كلام الله

لكن الله توعد هؤلاء يوم القيامة بالعذاب الشديد , بسبب ترددهم بين الإيمان و الكفر , و بسبب تحريفهم لكلام الله

و الإيمان و الكفر هنا في هذه الآيات تحمل دلالات مختلفة عن الدلالات المتداولة في الكتب الدينية الإسلامية , و مع تحفظنا على معانيها المتداولة , لكننا سنحاول فهم طريقة التعامل القرآنية مع هؤلاء

و سنقوم في مقالات قادمة بشرح مفصل لمعاني هذه الكلمات كما هي في القرآن , بغض النظر عن معناها الحالي المتداول

سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ
المائدة 42

تصف الآية هنا هؤلاء الناس المترددين من اليهود , و أنهم يأكلون المال الحرام , و في الآية السابقة تحدثت عن ترددهم بين الكفر و الإيمان , و تحريفهم لكلام الله , ومع كل هذه الأفعال و الأشياء السيئة التي يفعلونها , طلب الله من نبيه أن يحكم بينهم إذا جاؤوا إليه ليحلوا مشاكلهم , و يجب أن يكون حكمه بينهم بالعدل

وقد خير الله نبيه أن يحكم بينهم , و أن يترك الحكم , و إن تركه فإنهم لن يستطيعوا إيذاءه

ولفظ (فلن يضروك شيئا) يشير على كون هؤلاء موجودون في المدينة , و قادرون على التسبب بأذية للنبي محمد

و الكلام الذي تورده كتب السيرة و الحديث عن اختفاء غير المسلمين من المدينة قبل وفاة النبي غير صحيح , لأن الآية هنا تتحدث عن وجودهم و قدرتهم على الإيذاء , وهؤلاء قطعا لن يكونوا أفرادا معدودين و ضعفاء

الآيات التي أوردناها تشير إلى عدة أشياء نستطيع تثبيتها هنا

وجود كبير لغير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي محمد , وهو يناقض ما يرد في كتب السيرة عن اختفائهم

لغير المسلمين الحرية الدينية الكاملة , وحتى أنهم يستطيعون فعل أشياء كثيرة لا ترضي الله ورسوله ضمن المجتمع المسلم الذي اسسه النبي

لا يتدخل القرآن في حياة غير المسلمين , بل العكس هو الصحيح , حيث يكون وجوده إيجابيا , ويعمل على تصحيح الأخطاء الموجودة , وينصح برفق وهدوء , ويحل مشاكل غير المسلمين بما يستطيع

لا يجبر غير المسلمين على تغيير أي من أفكارهم أو عقائدهم أو إخفائها ضمن المجتمع المسلم

لم يرد في هذه الآيات أي إشارة على وجوب ترك هؤلاء لدينهم واتباع الدين الجديد (الإسلام)

لم يرتب القرآن على مسارعة هؤلاء بالكفر أي عقوبة دنيوية , بل حصر العقاب بالله وحده يوم القيامة

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 1

القرآن هو الكتاب الأوحد الذي رسم خطوطا عامة و عريضة و دائمة بدوام الله للتعامل مع غير المسلمين , و أوضحها بنصوص واضحة وضوح الشمس , لا تقبل تأويلا ولا تحريفا, هذه نبذة عن التعامل مع غير المسلمين

و الميزة الأساسية للقرآن الكريم هو أنه احتوى كل ما جاءت به الكتب الدينية السابقة , و أضاف عليها أبعادا إنسانية جديدة , وهذه الإضافات للبعد الإنساني في القرآن , جاءت كنتيجة طبيعية , لأن القرآن هو كلمة الله الأخيرة لهذه البشرية

و يجب أن تحتوي هذه الكلمة الأخيرة على كل التوجيهات اللازمة لاستمرار ربط البشرية بالله تعالى

نحاول في هذا المقال القصير تسليط الضوء على علاقة المسلمين بغير المسلمين كما جاء في القرآن, و سنقوم بأخذ نصوص من سورة المائدة , وهذه السورة حسبما يقول المختصون بالعلوم الدينية هي آخر ما نزل على النبي محمد قبل وفاته , وهذا يعني : أن هذا ما استقرت عليه الأمور في نهاية الدعوة إلى الدين الجديد , وهذه هي الطريقة التي يريدها الله في التعامل بين المسلمين وغيرهم

يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ
المائدة 15

يخاطب الله هنا أهل الكتاب (المسيحيين و اليهود) , و يبين لهم أنه قد أرسل لهم النبي محمد , كي يوضح و يبين لهم ما كانوا قد أخفوه من كتبهم عن الناس (التوراة و الإنجيل) , وأن مهمة النبي محمد ليست نقل أهل الكتاب من دينهم إلى الدين الجديد , و إنما أن يشرح و يوضح لهم ما هو موجود في كتبهم فقط , و ختم الله الآية بقوله , أن ما عندهم وما جاءهم من الله (التوراة و الإنجيل) هو نور و هداية من الله

يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ
المائدة 16

يكرر الله و يصف  ما أنزله على أهل الكتاب بأن فيه هداية لمن اتبع ما فيه من أوامر من الله , و أنه الوسيلة التي يخرج الناس بها أنفسهم من الظلمات إلى النور , وما في هذه الكتب المقدسة فيه الهداية إلى كل خير

لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ
المائدة 17

يعلم الله نبيه محمد كيفية التعامل مع غير المسلمين فيقول : قل يا محمد لأهل الكتاب : إذا أراد الله أن يهلك المسيح بن مريم و أمه و الأرض ومن فيها , فهل يستطيع منعه أحد ؟
أو هل يستطيع مقاومته أحد ؟
و الجواب قطعا : لا

لأن الله مالك كل شيء , و يملك حتى عيسى و أمه , وكل من في هذا الكون عبد لله و خاضع لمشيئته

و يناقش النبي محمد هؤلاء الذين يقولون بألوهية عيسى و أمه و يسألهم: هل من المعقول أو المقبول , أن تتركوا عبادة الله الذي يملك كل شيء , و تذهبون لعبادة بشر عاديين ؟

وصف الله من يقول أن عيسى و أمه هم آلهة بأنهم كفار , ونحن نرى أن لفظ الكفر في القرآن يحمل دلالات ومعاني مختلفة عن المعاني المفهومة لدى المسلمين عامة , و سنقوم في مقالات قادمة بتوضيح هذا الخلط و الخطأ في فهم هذه الكلمة

ومع أننا نتحفظ على معنى كلمة ( كفر ) والتي تعني الخروج من دائرة الإيمان إلى نقيضه , فإننا سنعتمد المعنى المتداول للفظ ونحاول متابعة أوامر الله في التعامل مع غير المسلمين في هذه الآيات

وصف الله هؤلاء الذين يقولون أن عيسى و مريم هم آلهة بأنهم كفار , ومع أنهم كفار , لكنهم لم يطلب الله من النبي محمد اتخاذ أي إجراء فيه عنف ضدهم

ناقش الله هؤلاء بكل هدوء و احترام , و أوضح لهم أن عيسى و مريم هم مجرد بشر , و يجب على الناس أن لا يعبدوا بشرا مثلهم

من الواضح أن هؤلاء كانوا يعيشون في المدينة بجوار النبي محمد , وكانوا يعلنون أن عيسى و مريم هم آلهة , و يعيشون بحقوق كاملة و محفوظة , ولا أحد يتعدى عليهم , ولم يأمر الله نبيه بالتعدي عليهم

مدح الله كتب أهل الكتاب (التوراة و الإنجيل) و وصفها بأنها نور و هداية , و أن من أراد النجاح و الفلاح و النجاة في الحياة الآخرة , فعليه اتباع هذه الكتب العظيمة

وظيفة النبي محمد أن يشرح للناس ما في هذه الكتب العظيمة , لأن بعض رجال الدين السيئين قاموا بإخفاء ما في هذه الكتب من نور و هداية من الله

لم يأت النبي لنسف الكتب السابقة (التوراة و الإنجيل) , بل جاء ليحترمها و يقدسها و ينشر ما فيها من نور و هداية

من المؤكد و الواضح أن الله لم يطلب من غير المسلمين ترك دينهم و التحول إلى الإسلام , ولا توجد أي إشارة لهذا الطلب , بل العكس هو الصحيح
فقد طلب الله من غير المسلمين التمسك بدينهم و كتبهم بعد ترك عبادة البشر , وعبادة الله وحده

يعتقد الكثير من المؤمنين من شتى الأديان أن الجنة هي مكان مخصص فقط لأتباع الدين الذي يتبعونه, لكن في الإسلام تختلف النظرة إلى الجنة ومن هم الأولى بدخولها, هنا نسلط الضوء على أحد النصوص الكثيرة في القرآن والتي تشرح هذه الفكرة

هل الجنة هي مكان مخصص للمسلمين فقط

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿113﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿114﴾ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
سورة آل عمران

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ
يقول الله هنا : أن هناك فرق كبير بين طائفتين من أهل الكتاب , وهم ليسوا سواء.

مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
بعض أهل الكتاب , و يجب التنبه على أن الكلام هنا هو عن أهل الكتاب , وليس عن المؤمنين برسالة الإسلام , فبعضهم قائمون مصلون ساجدون لله

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ
و تصف هذه الآية بعض أعمالهم , فهم يؤمنون بالله و اليوم الآخر , ولم تذكر الآية إيمانهم بالنبي محمد , و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات , وهؤلاء قطعا من الصالحين

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
و يذكر الله هؤلاء , أن كل خير يفعلوه فسيجزيهم به الله خير الجزاء

سورة آل عمران هي سورة مدنية , وهي تحكي العلاقة مع أهل الكتاب في المدينة المنورة زمن النبي

أظهرت الآيات عدة أشياء , ومنها

دخول الجنة هو عمل مرتبط بعمل الخير , و لا يوجد أي ارتباط , بين دخول الجنة أو اتباع دين معين

الإسلام يحترم الأديان الأخرى وكتبها و عقائدها , ولا يتدخل بتفاصيلها

الكلام عن نسخ الاسلام للأديان السابقة , و وجوب دخول الجميع في دين الإسلام هو كلام عار عن الصحة و تناقضه هذه الآيات