موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 6

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)

سورة المائدة

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

أرسل الله نبيه عيسى ليصدق مافي التوراة , وهذه إشارة لكون التوراة في زمن نبي الله عيسى صحيحة و غير محرفة ولم ينسخها نزول الإنجيل  

يصف الله الإنجيل بأنه هدى ونور و موعظة للمتقين الصالحين , و لفظ الصالحين يشمل الصالحين من كل الأديان , وليس المسيحيين فقط

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

يأمر الله المسيحيين بالتحاكم إلى الإنجيل , ومن لم يقبل من المسيحيين حكم الإنجيل فهو فاسق

هنا إشارة اخرى لعدم تحريف الإنجيل في زمن النبي محمد أو نسخه , فمن غير المعقول أن يطلب الله من المسيحيين التزام أحكام كتاب محرف أو منسوخ

لم يطلب الله من المسيحيين ترك دينهم و الدخول في الإسلام

لم يطلب الله من المسيحيين ترك الإنجيل و اتباع القرآن , بل طالبهم بكلام واضح بالتزام الإنجيل ووالبقاء مسيحيين

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

أنزل الله القرآن على نبيه محمد ليصدق التوراة و الإنجيل , والقرآن يصدق كتبا صحيحة و موجودة بين أيدي الناس , وليس كتبا محرفة أو غير موجودة

طلب الله من نبيه أن يحكم بين الناس بما أنزل الله , و الله أنزل التوراة لليهود حتى يتحاكموا لها , و الإنجيل للمسيحيين حتى يتحاكموا إليه , و القرآن للمسلمين حتى يتحاكموا إليه

جعل الله لكل قوم و طائفة كتابا و دينا و تشريعا يتحاكمون إليه

لو أراد الله لجعل الناس كلهم على دين واحد , لكنه أراد بحكمته وجود هذا التنوع الديني , و على الجميع السعي إلى مرضاة الله , و يوم القيامة يجازي الله الجميع بما عملوا

وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ

يحذر الله نبيه من الاستماع و الإصغاء للناس بما يخالف كتاب الله , و أن يكون حازما صارما في هذا الباب , و أن لا يحكم إلا بما أنزل الله من كتب سماوية

من الآيات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

علم الله نبيه عيسى التوراة , وهو يشير لكونها صحيحة وغير محرفة في زمنه

طلب الله من المسيحيين التزام دينهم , ولم يطلب منهم التحول إلى الإسلام

طلب الله من المسيحيين التزام الإنجيل , ولم يطلب منهم التزام القرآن

من لم يقبل بحكم الإنجيل من المسيحيين فهو من الفاسقين

لو أراد الله أن يكون جميع الناس على دين واحد لفعل ذلك , لكن حكمته اقتضت أن يكون الناس أديان شتى

يجازي الله الجميع يوم القيامة بما عملوا , ولا فرق بينهم , و يجازى بالخير كل من أحسن عملا بغض النظر عن دينه

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 4

تحتاج كتب الفقه و التفسير إلى إعادة نظر و تدقيق , لأن معظم مافيها هو تحريف واضح لكلام الله , وهنا نعرض جزءا بسيطا من التحريف الظاهر لكلام الله لأجل مصالح مادية أو سياسية أو غير ذلك- العلاقة مع غير المسلمين في القرآن- المسيحيين نموذجا

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴿46﴾ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
سورة المائدة

تتكلم هذه الآيات المباركات عن العلاقة مع غير المسلمين – المسيحيين – و سنحاول هنا تتبع أوامر الله في كيفية التعامل معهم

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

ارسل الله نبيه عيسى ليصدق ما جاء في التوراة , و ليؤكد على عظمتها , و قد آتاه الله الإنجيل كذلك , و الإنجيل هو كلام الله و هو هدى ونور ,  وكل تعاليم الإنجيل هي تأكيد على حرمة و عظمة التوراة

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ

يأمر الله في القرآن المسيحيين أن يلتزموا أوامر الإنجيل , لأن ما في الإنجيل هو مراد الله , ولم يأمر الله المسيحيين بالتحول إلى الإسلام أو تطبيق القرآن , ولا يوجد أي إشارة لإجبار المسيحيين على الدخول في الإسلام , ولا توجد دعوة للمسيحيين للدخول في الإسلام , لأن دينهم باطل و كتابهم غير صحيح و باطل

في هذه الآية اعتراف كامل و واضح بالمسيحية كدين صحيح , و اعتراف بالإنجيل ككتاب عظيم من الله , وكل الدعوات التي تطالب المسيحيين بالتحول للإسلام هي دعوات باطلة و غير صحيحة لأنها تخالف القرآن

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
تصف هذه الآية المعرضين عن كتاب الله الإنجيل بأنهم فاسقون , وكل مسيحي يرفض الإنجيل فهو فاسق بحسب الآية

وفي كتب الفقه الإسلامي يجد القارئ أن الفقهاء و مفسري القرآن حرفوا هذه الآية عن معناها المراد من الله , و قالوا: أن من لم يطبق القرآن فهو من الفاسقين , مع أن الآية تتكلم و بكل وضوح و صراحة عن المسيحيين و الإنجيل

من الآيات السابقة و التحليل المرافق لها نستطيع استخلاص بعض النتائج

اعترفت الآيات السابقة بالمسيحية كدين عظيم و صحيح

اعترفت الآيات بشكل واضح بأن الإنجيل كلام الله , وهو نور وهدى من الله , والكلام عن بطلان الإنجيل أو تحريفه هو كلام باطل , و مخالفة لكلام الله في القرآن

لا توجد أي دعوة للمسيحيين لترك دينهم و التوجه للإسلام , بل هناك دعوة واضحة للتمسك بدينهم و اتباع أوامر الله في الإنجيل

كل مسيحي غير ملتزم بدينه فهو فاسق حسب توصيف القرآن له

العمل الدعوي لتحويل المسيحيين للإسلام هي دعوة باطلة ومخالفة للقرآن

يجب مراجعة السيرةالنبوية و كتب الحديث , و التي تتحدث عن عدم وجود لغير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي , فالآيات تتحدث هنا عن وجود كبير للمسيحيين , و ليس عن أفراد , و دعوة المسيحيين هنا لتحكيم الإنجيل في حياتهم ليست دعوة لأفراد , و إنما دعوة لمجموعات كبيرة لها حضورها ووجودها و كنائسها

من الواضح و المؤكد أن التوراة في زمن نبي الله عيسى لم تكن محرفة , وكانت كتابا صحيحا , لأن الله أنزل الإنجيل على عيسى تصديقا لما في التوراة , ومن يقول بتحريف التوراة فعليه أن يثبت وقوع التحريف بعد ظهور نبي الله عيسى , و سنقوم في مقالات قادمة إيراد أمثلة من القرآن تشير و تثبت عدم وجود أي تحريف أو تغيير في التوراة في زمن النبي محمد عليه الصلاة  والسلام , وعلى المشككين في التوراة و الإنجيل أن يأتونا بآيات قرآنية تشير لبطلان و تحريف التوراة و الإنجيل

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. القصص (49)
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ. المائدة (66)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. المائدة (48)
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. المائدة (47)
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ. المائدة 46