البعد الإنساني في القرآن 14

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ﴿63﴾ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴿64﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66﴾ التوبة

تأملات في الآيات

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ

يخبرنا الله أن هناك من يعادي الله ورسوله علانية, ويتوعده الله بالعذاب الشديد

جاءت الآية بصيغة الاستنكار والاستغراب, أي بمعنى: هل يجهل هؤلاء أن ما يفعلوه من معاداة الله ورسوله يترتب عليه العذاب الشديد؟ أم أنهم يجهلون هذه العاقبة

.

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

سمى الله لنا هؤلاء المقصودين بالآية السابقة وأنهم المنافقون

من الواضح أن هؤلاء يعلمون أن النبي محمد صادق فيما يدعو إليه, ويعلمون ان الله يخبره بما تكنه صدورهم من عداوة, ولذلك يخاف هؤلاء المنافقون من نزول القرآن, لأنه سيفضح ما تكنه صدورهم

يستهزئ المنافقون بالله ورسوله ولا يخشون من الرقابة الدينية, ولهم مطلق الحرية بالتعبير عن أفكارهم الدينية ونقدهم لأي دين

.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

يصرح المنافقون علانية أنهم يسخرون من الله ورسوله ويحادونهما ولا يخشون أحدا في التعبير عن آرائهم الدينية

وعندما يسألهم النبي محمد عن سبب عدائهم وسخريتهم من كل ما هو ديني يجيبون: أنهم كانوا يشعرون بالملل فقرروا اللعب وتقضية الوقت في اللهو والمزاح

لم يجد هؤلاء شيئا يمزحون ويلهون به سوى شعائر الدين وأحكام الله وآياته ودينه

.

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

يعتذر هؤلاء للنبي عن سخريتهم وعدائهم لله ورسوله

يخبرهم الله أنهم قد ارتكبوا إثما عزيما بسخريتهم وعدائهم لله ولرسوله

يخبر الله نبيه أن الله قد يعفو عن هؤلاء الساخرين المستهزئين بالدين, لكنه لن يعفو مطلقا عن المجرمين المفسدين في الأرض

يخبرنا الله أن الحرية الدينية شيء مقدس, وأن حرية النقد وحتى السخرية والاستهزاء مباحة للجميع, وقد يعفو الله هن الجميع, وقد ترك هذا الباب مفتوحا ولم يقرر أنه سيعفو, وفي هذا تحذير خفي لهؤلاء لعدم التمادي في السخرية والاستهزاء

أما المجرمين المفسدين في الأرض فالعذاب الشديد ينتظرهم بلا شك يوم يلقون الله

العذاب المقرر والمتوقع لهؤلاء المنافقين هو في يوم القيامة فقط, أما في الدنيا فلا يوجد أي رقابة على حرية التفكير والنقد والضمير

لم يأمر الله نبيه بإيقاع أي عقوبة على من يعادي الله ورسوله علانية ويسخر من كل ما هو ديني, فحرية الضمير والتفكير هي حرية مقدسة في القرآن