وجود نصوص بشرية تنافس القرآن على مرجعيته داخل الإسلام , جعل المنظومة الدينية متخبطة , فهي خليط من كلام الله الأزلي الذي لاشك فيه ولا خطأ , وكلام بشري يصيب و يخطئ , وهنا نحاول تبيين هذا الخلط , حديث تغيير المنكر نموذجا

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98)  مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ
في هذا الجزء من الآية تعداد لبعض الشعائر الدينية أو المظاهر الدينية في الحج في الجاهلية , و الآية تنفي شرعية هذه المظاهر , و أن الله لم يأمر بها.

وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
هؤلاء الناس الذين يجعلون البحيرة و السائبة و الوصيلة من شعائر الحج , هم كاذبون و يفترون على الله الكذب .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ
تبين الآية موقف هؤلاء الكفرة من الدعوة إلى التحاكم إلى ما انزل الله في كتبه على أنبيائه , و أنهم يرفضون هذه الدعوة , و يرفضون تغيير أي شيء توارثوه عن آبائهم و أجدادهم حتى لو كان مخالفا لأوامر الله.

أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ
تصف الآيات آباء هؤلاء و اجدادهم بالجهل بدين الله , وبالضلال عن الهدى .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
تأمر الآيات المؤمنين بترك هؤلاء الكفرة و شأنهم , والاهتمام بأنفسهم , وأن ضلال هؤلاء لن يؤثر على إيمان المؤمنين , والفيصل في ذلك هو يوم القيامة , حيث يفصل الله بين المهتدين و الضالين.

من كل ما سبق نلاحظ ما يلي

صرحت الآيات بوجود مخالفات دينية عظيمة في موسم الحج , و من المفيد التذكير أن هذه الآيات هي من سورة المائدة , و هي آخر سورة نزلت من القرآن , بإجماع علماء القرآن , و الموقف القرآني من هذه المظاهر الدينية الخاطئة هو التالي:

أولا: وجود مظاهر دينية في الحج غير صحيحة , ومنها البحيرة و الوصيلة و غير ذلك , ولا يعنينا فهم ماهية هذه الأشياء , لأن القرآن أنكرها و شنع عليها , والقرآن اعتبرها مظاهر مرفوضة في الإسلام.

ثانيا: قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
هذه الآية تشير إلى أن هذه المظاهر كانت تحمل زخما قويا , وهي بحجم كبير , بحيث أن النبي كان يعجب من كثرتها , ومن المؤكد أن هذه الحوادث كانت موجودة في الحجة التي حجها النبي .

ثالثا: صرحت الآية بأن الذين كفروا , وقد كانوا موجودين في تلك الحجة , يفترون على الله الكذب علانية , ويدعون الناس لممارسة شعائر حج غير مقبولة دينيا.

رابعا: صرحت الآيات برفض الذين كفروا الانصياع لأوامر الله , و التحاكم إلى شرعه و دينه و كتبه , و إصرارهم على الاحتفاظ بتراث الآباء و الأجداد ولو خالف ما أنزل الله.

من كل ما سبق و من مراجعة الآيات و تتبع أوامر الله تجاه هذه المظاهر الغير مقبولة دينيا نجد ما يلي:

مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
مهمة النبي البلاغ فقط , وليس تغيير هذه المظاهر بالقوة.

فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
أمر الله المؤمنين بالتقوى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
نهى الله المؤمنين عن السؤال و التدخل بأشياء لا تفيدهم , و أن معرفتها قد تسوؤهم .

مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
الله لا يقر هذه المظاهر , وهي مظاهر مرفوضة دينيا , ومن يفعل هذه المظاهر أو يدعو لها فهو كاذب جاهل.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
أمر الله المؤمنين بالاهتمام بأنفسهم , وترك هؤلاء و ضلالاتهم , ويوم القيامة سيفصل الله بين المؤمنين و الكفرة .

نتائج

لم يأمر الله نبيه و المؤمنين بتغيير المظاهر الشركية بالقوة

أمر الله نبيه و المؤمنين بالاهتمام بأنفسهم , وترك هؤلاء و ضلالاتهم

وضح الله تعالى أن مهمة النبي هي التبليغ فقط , وليس تغيير المنكرات بالقوة

من  قراءة الحديث الذي رواه مسلم : عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان
ومقارنته بالآيات السابقة نستطيع الجزم بأن هذه الحديث هو حديث غير صحيح , فالنبي و صحابته كانوا يرون هذه المظاهر الشركية الغير مقبولة دينيا في مواسم الحج , ولم يفعلوا حيالها شيئا
بل الله أمر نبيه بالعكس من ذلك , فقد أمر المؤمنين أن يهتموا بأنفسهم , وترك هؤلاء الضالين و شأنهم و ضلالاتهم
ولم تأمر الآيات النبي بتغيير هذه المنكرات لا بيده ولا بقوله , بل اكتفت بهذا التوضيح ( ما على الرسول إلا البلاغ )

و بالتالي

و من كل ما سبق نستطيع الجزم أن حديث تغيير المنكر هو حديث موضوع لا أصل له , لأن الله في كل هذه الآيات و برغم كل المظاهر الدينية المرفوضة لم يأمر نبيه بتغيير هذه المظاهر