الاستهزاء بالدين – الاستهزاء بالأذان و الصلاة وعموم الدين

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴿58﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

سورة المائدة

.

تأملات في الآيات

لا بد من التذكير هنا أن هذه الآيات من سورة المائدة , والتي هي آخر سورة نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة اشهر

وهذه الآيات تعطينا فكرة واضحة عن الحياة في المدينة المنورة و تركيبتها السكانية

ولا ننسى أن الرسول قبل وفاته كان لديه جيش و دولة و يحكم معظم الحجاز و اليمن بالشريعة الإسلامية , وهنا سنحاول معرفة كيف حكم النبي هذه الدولة و ماهي التوجيهات الربانية في هذا الباب

.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

.

يأمر الله المؤمنين أن لا يتخذوا المستهزئين بالدين أصحابا و أحبابا , وهؤلاء المستهزئين هم من أهل الكتاب , يهود و نصارى , وكذلك يوجد مستهزئين من الكفار

تشير الآية لوجود يهود و نصارى وكفار في المدينة المنورة , يعيشون بسلام مع النبي و صحابته

هؤلاء اليهود و النصارى و الكفار يستهزئون بالدين الإسلامي علانية و في مدينة رسول الله , ولا يخافون من وقوع أي عقوبة بحقهم

الأمر الوحيد الذي ورد في هذه الآية تجاه هؤلاء المستهزئين , هو عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

.

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ

.

عندما ينادي المؤذن للصلاة في مسجد رسول الله في المدينة المنورة , يشرع هؤلاء الكفار و اليهود و النصارى بالسخرية علانية من الصلاة الإسلامية , دون خوف من أي عقاب يحل بهم

يصف الله هؤلاء المستهزئين بأنهم قوم لا يعقلون

هؤلاء المستهزئين لا يخافون من دولة النبي و سلطته , ولا من جيشه و صحابته , ولا من أبي بكر و عمر بن الخطاب و غيرتهما على الدين , ومن الواضح جدا أنه لم تكن هناك قوانين تمنع السخرية من الدين في مدينة رسول الله و في زمن النبي

.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

.

هنا توجيه إلهي لكيفية التعامل مع هذا الاستهزاء و السخرية من الدين و السخرية من شعائر الإسلام من أذان و صلاة

يأمر الله بمحاورة هؤلاء , و يأمر المؤمنين أن يناقشوا هؤلاء حول سبب سخريتهم و استهزائهم بالدين الإسلامي و الشعائر

لماذا أنتم ناقمون علينا أيها الناس؟

نحن نؤمن بالله مثلكم , ونؤمن بما أنزل علينا من قرآن , ونؤمن كذلك بالتوراة و الإنجيل و غيرها من كتب سماوية , ونحترم كل هذه الكتب ومافيها , فلماذا هذا الحقد و الكره منكم تجاهنا؟

نحن نلتزم كل الشعائر الدينية و نحترمها , بينما أنتم مقصرون مذنبون ( فاسقون ) فاسدون

هل سبب نقمتكم هو التزامنا بالدين و تفلتكم منه و عدم قدرتكم على الالتزام بالدين و شعائره؟

في الآية تصريح بصحة الكتب السماوية السابقة من توراة و إنجيل و غيرها , ولو كان المؤمنون يعتبرونها محرفة أو منسوخة , لصرحت الآيات بأن سبب تشنج هؤلاء من المؤمنين هو عدم اعتراف المؤمنين بالتوراة و الإنجيل الموجودة في زمن النبي , وأن المؤمنين يعتبرونها كتبا محرفة

لم يأمر الله المؤمنين هنا بقتل هؤلاء المستهزئين بالدين و شعائر الصلاة و الأذان , ولم يأمر بتغيير هذه المنكرات العلنية في مدينة رسول الله و بوجود صحابته الكرام

أمر الله المؤمنين فقط بعدم مجالسة هؤلاء المستهزئين و عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

من المؤكد أن هذا الاستهزاء هو منكر واضح لا يحتاج إلى دليل , ومع ذلك لم يأمر الله بتغييره , وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك , أن الأحاديث التي تتحدث و تأمر بتغيير المنكر هي أحاديث باطلة

من غير المعقول أن يأمر الله المؤمنين فقط بعدم اتخاذ المستهزئين أولياء و أحبابا  في القرآن , و يأمر النبي في الأحاديث بقتل المستهزئين

القول بأن النبي أمر بتغيير المنكر و أمر بعقوبة المستهزئين هو قول باطل , لأن معنى ذلك أن النبي يتخذ إجراءات و أوامر مضادة للقرآن , فالقرآن يأمر بالتسامح مع هؤلاء , و النبي يأمر بقمعهم و قتلهم

لم يرتب القرآن على المستهزئين بالدين عموما , و الأذان و الصلاة خصوصا أي عقوبة دنيوية , وكل العقوبات الواردة في الأحاديث و الفقه هي عقوبات مخالفة للقرآن وهي باطلة قطعا

الاستهزاء بالدين – الاستهزاء و السخرية من القرآن 1

بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿138﴾ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿139﴾ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا

سورة النساء

تأملات في الآيات

بداية لا بد من الإشارة إلى أن سورة النساء هي سورة مدنية , أي نزلت في المدينة بعد أن أسس النبي دولة , وكان لديه جيش و قوة قادرة على تغيير أي منكر في المدينة المنورة التي يعيش فيها النبي و صحابته الكرام

ومن المؤكد أن الصحابة الكرام كانوا يعيشون في المدينة المنورة و يرون ما يحدث فيها , ونحن في هذه الآيات سنحاول معرفة كيف كانت الحياة في هذه الفترة المباركة في مدينة رسول الله

بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

هناك منافقون يعيشون في المدينة المنورة , بجانب النبي و صحابته الكرام , وهؤلاء لهم أفعال شنيعة , تؤذي النبي و صحابته و الدعوة المباركة

ولذلك فالله يبشرهم بعذاب أليم يوم القيامة

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا

مع وجود النبي والمؤمنين و دولته القوية , يبحث هؤلاء المنافقون عن العزة و القوة و السند و الدعم , فلذلك يلجؤون للكفار كي يجدوا عندهم العزة و القوة

لا يعجب المنافقون كل ما حدث و يحدث في المدينة , و ذهابهم للكفار و التماسهم العزة عندهم ليس سرا , بل شيء علني لا يخفيه هؤلاء المنافقون

يذكر الله هؤلاء أن العزة و القوة لله جميعا , و أن العزة و القوة الموجودة عند الكفار هي وهمية و ستزول قريبا

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا

أحد أفعال المنافقين أنهم يجلسون مع الكفار , وخلال المجلس يتم الاستهزاء بآيات الله و القرآن

لابد من التذكير أن المنافقين يعيشون في المدينة و يجلسون مع الكفار , وهذا يؤكد وجود كفار حقيقيين في المدينة , ومن غير المعقول أن يذهب المنافقون إلى مكة للجلوس مع كفار قريش , الذين يستهزئون بالقرآن

يتحدث الكفار في مجالسهم علانية و يستهزئون بالقرآن دون خوف أو عقاب , و يجالسهم المنافقون كذلك دون خوف من عقاب دنيوي

لم يطلب الله من نبيه منع الاستهزاء بالقرآن , بل طلب من المنافقين أن لا يجلسوا مع الكفار فقط عندما يستهزئون بالقرآن

لم يرتب الله على الاستهزاء بالقرآن أي عقوبة دنيوية , بل توعد الكفار و المنافقين بالعذاب الشديد يوم القيامة

كان الكفار و المنافقون يعيشون في مدينة رسول الله و بين صحابته بكل حرية , و يمارسون كفرهم و استهزاءهم بالدين دون خوف من عقاب دنيوي يقع بهم

لم يأمر الله الصحابة الكرام بتغيير هذا المنكر الموجود في المدينة المنورة , و بالتالي : فالأحاديث التي تتحدث عن تغيير المنكر باليد أو القول أو القلب هي أحاديث باطلة لأنها تتعارض مع هذه الآيات , ولو كان تغيير المنكر واجبا لأمر الله بتغييره في هذه الآيات

لم يأمر الله نبيه و المؤمنين بتغيير هذا المنكر , بل أمر فقط باعتزال هذه المجالس التي يجري فيها الاستهزاء بالقرآن

القتال في القرآن 2

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿216﴾ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿217﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

سورة البقرة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
صار من الواجب على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار , مع كرههم لهذا القتال وعدم رغبتهم فيه , والله يخبر المؤمنين , بأن هذا القتال قد يكون فيه خير كثير لهم من حيث لا يعلمون

.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ
يتساءل المؤمنون متحرجين من القتال في الأشهر الحرم داخل مكة , هل يحل القتال في مكة وعند بيت الله ؟ و يجيبهم الله بهذه الإجابات

 قُلْ

.

قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ
نعم إن القتال في الأشهر الحرام هو كبيرة من الكبائر

.

وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وفي هذا القتال صد عن سبيل الله

.

وَكُفْرٌ بِهِ
وفي هذا القتال كفر بالله

.

وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
و في هذا القتال إساءة للمسجد الحرام

.

وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ
لكن المؤمنين مضطرون لهذا القتال و مجبرون عليه , فقد قام هؤلاء الكفار بالتعدي على المؤمنين في مكة , وقد أخرجوا أهلها من المؤمنين خارجها , وهذا العمل الذي فعله الكفار , هو أكبر و أعظم جرما من القتال في مكة و عند الحرم

.

وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ
و يذكر الله المؤمنين , بأن الفتنة التي افتعلها الكفار في مكة هي اكبر و أعظم عند الله , فتشريد الآمنين من بيوتهم جريمة كبيرة

.

وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ
ويشرح الله لنا سبب القتال , وهو رغبة الكفار في عودة المؤمنين عن إيمانهم بدعوة الإسلام  و الإيمان بالقرآن كتابا , و إجبارهم على العودة إلى الأديان التي خرجوا منها
ومن هنا نستنتج السبب الرئيسي لهذه الفتنة العمياء في مكة , وهي رغبة الكفار في عودة المؤمنين إلى دينهم الأساسي , وبالتالي, فمن يجبر الآخرين على الدخول في دين معين هم الكفار , وليس المؤمنون

.

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
يحذر الله المؤمنين من الانصياع للضغوط التي يمارسها هؤلاء الكفار عليهم , و اختلاق الفتن و المشاكل , وأن من يرتد عن دينه و يعد إلى دين آبائه , فستحبط كل أعماله في الدنيا و الآخرة
ومن الملاحظ هنا أن الآية لم تهدد المرتدين بأي عقاب دنيوي من قبل الجماعة المؤمنة التي يقودها النبي , بل اكتفت بالعقوبة من الله وحده فقط ولم يطلب الله من نبيه إقامة حد الردة على هؤلاء المرتدين

.

من التعليقات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

سبب القتال هو تعدي الكفار على المؤمنين , و إخراجهم من بيوتهم , ومحاولة إجبارهم على العودة إلى أديانهم التي خرجوا منها بالقوة

القتال الحاصل من قبل المؤمنين , هو ردة فعل على ما يفعله الكفار من تعدي على المؤمنين

سبب القتال من قبل المؤمنين هو سبب غير ديني , أي بمعنى آخر, لا يحاول المؤمنون فرض دينهم على الآخرين , بل هم ضحايا للعنف الديني من قبل الآخرين , ويحاولون فقط الدفاع عن أنفسهم , أما الآخرون فهم يحاولون إجبار المؤمنين على العودة إلى دينهم الأساسي بالقوة و القتال

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 5

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿67﴾ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴿68﴾ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

سورة التوبة

تأملات في الآيات

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

تتحدث الآية عن أفعال المنافقين في المدينة المنورة , وهم يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و لا ينفقون في سبيل الله , و قد نسوا الله , فعاقبهم الله بعقوبة لن ينسوها , وهي أن الله نسيهم و لن يذكرهم

وهل هناك عقوبة أعظم و أشد بأن ينسى الله عبده؟ فيتركه على وجه هذه الأرض بدون توجيه من عنده جل جلاله

وهناك عقوبة أخرى و هي أن الله حكم على المنافقين بأنهم و الفاسقين سواء

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ

وهذه عقوبة ثالثة: النار هم مأوى المنافقين و الكفار , واللعنة هي مصيرهم , والعذاب المقيم هو ما ينتظرهم

ولم يعد الله المنافقين و الكفار بأي عقوبة دنيوية , ولم يأمر نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحقهم

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

تشير الآية إلى أن الكفار و المنافقين موجودون في المدينة , وكانت لهم قوة و أموال و أولاد , وكانوا يحتمون بقوتهم و حضورهم في المجتمع , و الآية تحذرهم من الاغترار بالقوة , فهناك الكثير ممن كان قبلهم , كانوا أكثر منهم قوة , وقد عاقبهم الله , ولم تنفعهم قوتهم شيئا

 أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

تشير الآية إلى أن جميع الأعمال الصالحة التي فعلها الكفار و المنافقون لم تعد تنفعهم , في الدنيا و الآخرة

هنا إشارة مهمة إلى أن الله يتقبل الأعمال الصالحة من الكفار و المنافقين , لكن الله في حالة هؤلاء لن يتقبل منهم أي عمل صالح

تقول الكتب الفقهية أن الله لا يتقبل أي عمل صالح من الكفار بسبب كفرهم , و أنهم أساسا لا يوجد لديهم أعمال صالحة بسبب كفرهم

لكن الآية هنا تناقض الأقوال الفقهية , وتقول أن للكفار أعمالا صالحة و أن الله بسبب أفعالهم السيئة لن يقبلها

سنحاول هنا ملاحظة الأفعال التي فعلها هؤلاء الكفار و المنافقون و التي سببت عدم قبول أعمالهم الصالحة في هذه الآيات فقط

 يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ

 وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ

 وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ

 نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ

 فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ

 وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

كل الأسباب الواردة في هذه الآيات تتحدث عن معاملات بين الناس و فساد في المجتمع يسعى إليه هؤلاء , ولم يذكر الله أي إشارة حول رفضهم الدخول في الإسلام , أو إنكارهم لوجود الله

بل العكس تحدثت الآية أنهم نسوا الله فتمادوا و طغوا , و الناسي لله هو شيء مختلف عن المنكر له

وهؤلاء لم ينكروا الله بل نسوه , و المؤمن العادي قد ينسى الله فيذكره , وقد جاءت آيات كثيرة جدا في القرآن تأمر النبي و المؤمنين بذكر الله إذا نسوه

 وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا 

سورة الكهف

بعض النتائج من الآيات السابقة

مجتمع المدينة المنورة في زمن النبي كان يحتوي على منافقين و كفار يعيشون بسلام , و كانوا يتصرفون بكل حرية و يمارسون حتى فسادهم و إفسادهم في الأرض تحت بصر النبي محمد عليه الصلاة و السلام

للكفار و المنافقين أعمال صالحة قد يتقبلها الله , لكنهم في حالة سعيهم في الفساد في الأرض فلن تنفعه هذه الأعمال شيئا

الخلاف مع الكفار و المنافقين ليس خلافا حول دخولهم الإسلام أو رفضهم له , و القرآن لم يطلب منهم الدخول في الإسلام , بل طلب منهم الكف عن الفساد في الأرض

حرية العقيدة في القرآن محفوظة في القرآن لكل شخص, و لا يأمر القرآن أي شخص باتباع دين معين

مهمة النبي هي الوعظ و التنبيه وليس إجبار الناس على فعل أشياء لا يريدونها , أو محاسبتهم على أفكارهم و عقائدهم

لابد هنا من التذكير أن هذه الآيات من سورة التوبة , التي نزلت في غزوة تبوك , قبل وفاة النبي سنة ونصف , أي بعد أن كان للنبي دولة  وجيش و قوة قادرة على فرض أحكام الدين

وهذا يشير قطعا أن دولة النبي ليس فيها محاسبة للناس على افكارهم و اعتقاداتهم ولا حتى أفعالهم الفاسدة في المجتمع

الله وحده هو من يعاقب الناس و يحاسبهم على أفعالهم ولا سلطة لأي شخص على الناس كي يحاسبهم على أفكارهم و معتقداتهم

الأحاديث التي تتكلم عن إجبار الناس على الإسلام , و إجبارهم على إظهار شعائر الإسلام , و أن المجتمع الإسلامي تمنع فيه المظاهر الغير إسلامية هي أحاديث قطعا باطلة

عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ . مُتفقٌ عليه

الآيات هنا تتحدث عن أناس كفار ومنافقين , لم يسلموا و قد كانوا بجوار النبي وفي مدينته , وهذه الآيات بلا شك تنسف هذه الأحاديث الموضوعة المنسوبة للنبي زورا

من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم

وحسب الآيات السابقة , فقد رأى النبي منكرات في مجتمعه و لم يغيرها , وهو قد خالف الحديث الذي قاله , مع أنه كان قادرا على تغييرها

في المجمل نستطيع القول : أن كل الأحاديث التي تتحدث عن تغيير المنكرات في المجتمع بقوة السلطة هي أحاديث باطلة لمخالفتها للقرآن

العلاقة مع غير المسلمين 5 -أهل الكتاب

يعتبر القرآن هو خاتمة الكتب السماوية إلى الأرض , ومن الواجب أن تكون هذه الرسالة عامة شاملة وتضع الخطوط الأساسية للعلاقة بين البشر إلى آخر الزمان , هنا نسلط الضوء على الخطوط الأساسية لهذه العلاقة بين كافة البشر بشتى أديانهمو نأخذ أهل الكتاب نموذجا

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

سورة المائدة

تأملات في الآيات

تحدثت الآيات عن مسلك بني إسرائيل و علاقتهم بالنبي محمد في المدينة فقالت

فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
حذرت الآية بني إسرائيل من عواقب الكفر , و أن فيه ضلال عن سواء السبيل

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ
عاقب الله بني إسرائيل على نقضهم المواثيق بأن جعل قلوبهم قاسية

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ
وأحد أبشع و اشنع أعمالهم هو تحريف كلام الله عن معانيه و مقاصده

وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ
وتذكر الآية نسيانهم لما تم تذكيرهم به من أوامر ربانية و توجيهات دينية

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ
و يخبر الله عن أن النبي يطلع بشكل دائم على خيانات منهم

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ
ومع كل ما سبق من شنائع و أفعال و خيانات و طعن و تحريف لكلام الله , أمر الله نبيه أن يعفو عنهم و يصفح

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
و يشجع الله نبيه على الإحسان في التعامل مع بني إسرائيل , مع كل ما يفعلونه

لا بد من التذكير بأن الآيات هذه هي من سورة المائدة , وهي آخر سورة نزلت على النبي و قبل وفاته بثلاثة أشهر في حجة الوداع , و لهذا التنبيه قيمته , حيث أنه من المقرر في الأصول , أن الدين و الشرائع تكونت وانتهت و اكتملت بنزول قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم في هذه السورة

من ملاحظة التسلسل السابق فقد عدد الله ما فعله بنو إسرائيل وهو

 الكفر , نقض الميثاق , تحريف الكلم عن مواضعه , نسيان أوامر الله و إهمالها , الخيانة

مع كل هذه المساوئ التي اقترفها بنو إسرائيل , طلب الله من نبيه أن يعفو عنهم و يصفح , لأن الله يحب المحسنين

لم يطلب الله من نبيه اتخاذ أي إجراء قتالي أو تأديبي ضد هؤلاء , مع أنه صرح بخيانتهم , و إنما ترك عقابهم وحسابهم إليه وحده

النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو مبلغ و مبشر ونذير,كما وصفه الله في القرآن , ومهمته لا تتعدى التبليغ , و يعتبر شخصه في القرآن مكان احترام لدى المسلمين , وقد وضح الله لنا مكانته وكيفية التعامل مع الإساءة لشخصه الكريم

إيذاء النبي في القرآن و الأحكام المترتبة عليه

قال تعالى

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
سورة التوبة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
بعض الناس يؤذون النبي و يسمونه بالبخل و التحيز و أنه شخص غير عادل

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
البعض يصف النبي بأنه رجل لا رأي له ولا عقل , والنبي يستمع لكل شخص يحدثه و يصدق قوله

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
وهناك من يحادد الله و رسوله و يحاربهم و ينصب لهم العداوة

من الملاحظ وجود إساءة علنية للنبي أثناء قيامه بتوزيع الصدقات و اتهامه بأوصاف لا تليق به و بجلالة مقامه , و أن الأمر لم يكن سريا , بل كان أمرا علينا

من ملاحظة الآيات نلاحظ الأوامر التي أمر الله بها نبيه للتعامل مع هذه الحالة من الإساءة للنبي بشكل علني , مع العلم أن النبي يمثل رأس دولة الإسلام , ونبيا مرسلا من الله واجب الاتباع

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
ردا على الاساءة للنبي و اتهامه بالتحيز و البخل , نصح الله هؤلاء بأنهم لو رضوا بما قسمه الله على يد نبيه لكان خيرا لهم

قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ردا على اتهام النبي بأنه رجل لا رأي له و أنه يستمع لكل شخص و يصدقه , قال الله أن استماع النبي للناس فيه خير لهم , و أن هؤلاء المتهمين للنبي سيلقون عذابا أليما يوم القيامة

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ
من يحارب الله ورسوله علنا , و يسيء للنبي , فإن مصيره جهنم و العذاب الأليم يوم القيامة

من مراجعة الآيات نستطيع تلمس هوية هؤلاء المسيئين

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا
هؤلاء يتلقون الصدقات من النبي , فمن الواجب أن يكونوا من الناس المؤمنين بالنبي و دعوته , ومن غير المعقول أن يعطي النبي غير المؤمنين من الصدقات

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
لو أن هؤلاء رضوا بقسمة الله ونبيه لهم لكان خيرا لهم , أي بمعنى أنهم أساسا من المؤمنين بالنبي , و الله ينصحهم بموقف أفضل من موقفهم هذا الذي اتخذوه

هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ
ورحمة للذين آمنوا منكم , أي من هؤلاء المسيئين للنبي , أي هو رحمة حتى للمسيئين

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
هؤلاء يحلفون بالله , فهذا يعني كونهم مؤمنين , والله يوجههم لما هو أفضل لهم , وهو الرضى بما قسمه الله على يدي نبيه

في كل الآيات السابقة لم يصف الله هؤلاء المسيئين بالخروج من الدين و أن عليهم تجديد إيمانهم و دخولهم في الإسلام مجددا , لأنهم بإساءتهم للنبي قد خرجوا من الملة و الإسلام

في كل الآيات السابقة كان الله يخاطب هؤلاء و ينصحهم و يوجههم لما هو أفضل

حصر الله العقوبة لهؤلاء المسيئين للنبي بيده وحده , ويوم القيامة

لم يطلب الله من نبيه اتخاذ أي إجراء عقابي ضد هؤلاء المسيئين لشخص النبي

هذه الآيات تقرر بوضوح أن العقوبات التي تنص عليها الأحاديث النبوية من وجوب قاتل شاتم الرسول هي كلها أحاديث باطلة لا اصل لها , لأنها تخالف هذه الآيات بشكل واضح

ومن هذه الأحاديث:

مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ .
رواه البخاري

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : “ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا „
رواه أبوداود

حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعط لهما الأمان الذي أعطاه لباقي سكان مكة رغم أن من سكان مكة من كان أشد عداوة وحربا للإسلام . 
مغازي الواقدي ، و سيرة ابن هشام

صرح الكثير من الفقهاء بردة شاتم الرسول و مؤذيه , وفي هذه الآيات لم يقل الله عن هؤلاء أو يصفهم بالردة أو الخروج من الملة , بل بالعكس , وصفهم بالإيمان  وأن عليهم فعل أشياء أفضل لدينهم و إيمانهم , وهذ الآيات تنقض هذه الأحكام

من كل ما سبق نستخلص النتائج التالية

كل الأحاديث التي تنص على ردة المسيء للنبي و كفره و إباحة دمه , هي أحاديث باطلة ل أصل لها , وهي مخالفة ومناقضة للقرآن

كل الأحكام التي تنص على ردة المسيء للنبي هي أحكام باطلة لا أصل لها في القرآن , بل القرآن يناقضها تماما

كان المجتمع الذي يقوده النبي محمد صلى الله عليه و سلم , مجتمعا حرا منفتحا لأبعد الحدود , لا حدود لحرية التفكير والاعتقاد فيه, نسلط الضوء هنا على جانب عظيم من هذا المجتمع الذي تم التعتيم عليه لقرون طويلة

الكفار و التعامل معهم في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)

نحاول في هذه البحوث تتبع آيات القرآن في كيفية التعامل مع الكافرين , و أحكام الكافرين في المجتمع المسلم حسب ما ورد في القرآن الكريم , و نود التأكيد على أن المنهج الذي نتبعه في فهم القرآن و التعامل معه يقوم على هذه القاعدة

القرآن الكريم هو المصدر الأساسي لفهم الإسلام , وكل ما وافق القرآن من الحديث يعتبر مصدرا داعما و مؤكدا و شارحا للقرآن , وكل ما خالف القرآن فهو مرفوض ولا يعتبر نبويا

تتحدث هذه الآيات عن بعض أهل الكتاب و الكفار في زمن النبي محمد في المدينة المنورة , وبعض اعتقاداتهم و تصرفاتهم في داخل المجتمع المسلم

لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ
يجب التذكير أن الآية 57 حددت الأصناف التي تحدثت الآيات التالية عنها , وهم أهل الكتاب و الكفار, و الآية تطلب من المؤمنين عدم اتخاذ هؤلاء أولياء (أصدقاء و أصحاب و موالي يستعينون بهم وقت الحاجة)

وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ
بعض أهل الكتاب و الكفار الموجودون في المدينة , كانوا يزورون المؤمنين و يدخلون عليهم تجمعاتهم , فهذه الآية تشير إلى تواصل يومي مع هؤلاء (وإذا جاؤوكم), وتحكي أنهم يبطنون في داخلهم غير ما يعلنون , و يقولون للمؤمنين أنهم آمنوا , ثم يخرجون للخارج و يمارسون الكفر و الفساد في المجتمع المسلم

وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
هذا الجزء من الآية حكى عن مسارعتهم في نشر الفساد في المجتمع المسلم , و أكل المال الحرام , وكلمة (وترى) تؤكد وجود تواصل يومي مع هؤلاء

وهذان التأكيدان يؤكدان وجود تواصل يومي و حياتي بين المؤمنين و أهل الكتاب و الكافرين (إذا جاؤوكم , وترى)

لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
يشجع الله الأحبار و الربانيين على ضبط هؤلاء ومنعهم من الفساد و الإفساد في الأرض ,و يستنكر عدم قيام الأحبار بدورهم الديني في توجيه الرعية

وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا
أشارت الآيات إلى أن بعض اليهود في المدينة المنورة , كان تنزل القرآن يزيدهم طغيانا و كفرا , و يزدادون فسادا و عداوة ,  وحكت عن وجود اعتقادات باطلة و مسيئة بحق الله تعالى لدى هذه الفرقة من اليهود فقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ , ومن المعلوم أن اليهود عموما لا يقولون بهذا الاعتقاد , و يظهر من الآية أن هذه الفرقة من اليهود كانت تعيش في المدينة المنورة

وهذه الفرقة من اليهود كانت تسعى دوما لإشاعة الفتن في المدينة المنورة , و إشعال الحروب , ولكن الله بحكمته كان يطفئ كيدهم و سعيهم لهذا الفساد

من التحليل و التعليقات السابقة نستطيع ملاحظة بعض الأشياء و الملاحظات

كان الكفار و هذه الفرقة من اليهود أصحاب فتن وفساد و سعي للحروب داخل المجتمع المسلم في المدينة
لم يكن تنزل القرآن و الخير من السماء  ووجود النبي محمد بينهم كنبي و مصلح داخل المجتمع المسلم عاملا إيجابيا في حياة هؤلاء, بل بالعكس , كانت هذه الأشياء تزيدهم طغيانا وفسادا , كونهم أناسا فاسدون من الداخل
كان لدى هؤلاء أقوال في حق الله و اعتقادات فاسدة , يعلنونها علنا داخل المجتمع المسلم , بدون مراعاة لمشاعر المسلمين و عقائدهم

ومع كل ذلك فقد تضمن الآيات توجيهات ربانية لكيفية التعامل مع هذين الصنفين داخل المجتمع المسلم الذي يقوده النبي محمد صلى الله عليه و سلم , فقال تعالى

وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ
ترك الله تعالى الحكم على ما في قلوب هؤلاء إليه وحده

وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
حكم الله على أفعال هؤلاء بالسوء , وأن ذلك هو من شر ما يفعله الإنسان

لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
طلبت من أرباب الشؤون الدينية لدى هؤلاء التدخل لكف هؤلاء المفسدين عن فسادهم , ولم تطلب من النبي التدخل ومنع هؤلاء من الفساد, وإنما لم يقم هؤلاء (الربانيون و الأحبار ) بدورهم المطلوب منهم , فهذا شيء خاطئ و سيء و تقصير غير مبرر

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ
ردت الآية على هذه الطائفة من اليهود ردا دينيا , و قالت أن الله كريم لا حدود لكرمه , ولم يطلب الله من نبيه معاقبة هؤلاء على الإساءة لرب العزة في المجتمع المسلم.

وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ
إحدى أهم نتائج خبث الطوية و الفساد المتعمد , أنها تبدأ بصاحبها فتجعل حياته جحيما لا يطاق , وهذه العقوبة تكفيهم من الله , ولم يطلب الله من نبيه التدخل لقمع هؤلاء و إجبارهم على الخضوع لما أنزل الله بالقوة, فمن لم تصلحه الكلمة , فلن يصلحه السيف

كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
والله لا يحب الحرب و الفساد و سفك الدماء , إلا إذا كان لا بد من ذلك , وهنا يخبر الله نبيه أن يكون صبورا على فسادهم , وأنه وحده تعالى سيطفئ كل مشاريعهم لإشعال الحروب, وتخطيطهم لنشر الفساد في المجتمع المسلم, ومرة أخرى لم يطلب الله من نبيه التدخل لمنع هذه المظاهر في المجتمع المسلم

من كل ما سبق نستطيع استخلاص بعض الخصائص و الفوائد و التصورات حول المجتمع المسلم في زمن النبي , وكيفية التعامل مع غير المؤمنين

تحتفظ الجماعات الغير مؤمنة في المجتمعات المسلمة بكامل حرياتها , ولها الحرية الدينية في اعتقاد و إظهار ما تشاء من عقائد, سواء خالفت العقائد الإسلامية أم وافقتها

لا مكان للعنف في المجتمع المسلم ضد الآخر المختلف , أيا كانت أفعاله و أعماله واعتقاداته , وهناك نظام عام و دولة هي التي تتولى ضبط الأمور الأمنية و المعاشية

لا مجال و لا مكان لتدخل المسلمين في حياة غير المسلمين الدينية , ولا صلاحية لديهم لفعل أي شيء , سواء أعجب المسلمين أم لم يعجبهم

تعود مرجعية الجماعات الغير مؤمنة في المجتمعات المسلمة حصرا إلى قياداتها الدينية , وهي وحدها المخولة بمحاسبة و توجيه هذه الرعية دينيا و اجتماعيا

لا يوجد في المجتمعات المسلمة عقيدة شمولية , وتوجه اجتماعي و ديني واحد , بل للجميع الحرية في قول و اعتقاد ما يشاؤون , بدون الخوف من أي سلطة

يحتوي القرآن على مساحة حرية واسعة للناس بكافة أطيافهم و أديانهم , و إلصاق تهمة العنف في القرآن هي تهمة باطلة يجب دحضها من خلال القرآن وحده , و تبيان أن ما الأحاديث الباطلة هي مصدر العنف

في العلاقة بين القرآن و الحديث النبوي

أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ.

رواه البخاري

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
سورة المائدة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نلاحظ ما يلي

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
الحديث في هذه الآيات عن بني إسرائيل .

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
تشير الآية هنا إلى نقض الميثاق و تحريف كلام الله التوراة

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا
هنا يشير إلى وجود هؤلاء في المدينة المنورة , و احتكاك النبي معهم بشكل مباشر , بحيث أنه يطلع على أفعالهم و نقضهم للعهود و نشرهم الفساد , و من المؤكد هنا أن الكلام عن مجموعات كبيرة و ليس عن أفراد , فالكلام بداية عن بني إسرائيل , و تتابع الآيات يشير إلى نقض جماعي ومخالفات

لا بد هنا من التذكير أن سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن على النبي وقبل وفاته بأشهر , بإجماع كل علماء القرآن , هي و سورة إذا جاء نصر الله

كون السورة هي آخر ما نزل من القرآن , فهذا يشير إلى وجود بني إسرائيل في المدينة بشكل جماعي و كبير قبل وفاة النبي , وكان لهم كيانهم و حضورهم , وحتى فسادهم و نقضهم للعهود و المواثيق مع الله , وكانوا لا يخشون وجود قوة ما تحاسبهم , ولو كانوا أفرادا معدودين , لما تجرأ هؤلاء على هذه الأفعال , من أمثال (لا تزال تطلع على خائنة ) , وهذا الفعل لا يفعله إلا مجموعات لا تخشى المحاسبة و تفعل ما تريد , أو على الأقل مجموعة لها وزنها في المجتمع , أما الفرد الوحيد أو الأفراد المعدودين , فعموما يلتزمون الصمت و لا يأتون بأي فعل يجعلهم عرضة للطرد من المجتمع لكونهم ضعفاء و أفراد معدودين

لننظر ماذا أمر الله تجاه بني إسرائيل هؤلاء, الناقضين للمواثيق و الخائنين

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
طلب الله من نبيه أن يعفو عنهم و يصفح , و شجعه على ذلك بأن الله يحب المحسنين

يعتبر الفقهاء و المفسرين , اليهود والمسيحيين كفرة لأنهم لم يؤمنوا بالنبي محمد و القرآن , لكننا من التحليلات السابقة نستطيع استنتاج بعض الملاحظات التالية

لو صح حديث أمرت أن اقاتل , فمن الواجب على النبي أن يقاتل هؤلاء , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , لكنه لم يفعل

احتوت المدينة المنورة على أعداد كبيرة من بني إسرائيل بأعداد لها وزنها وليس أفرادا كما ورد في كتب السيرة و الحديث .

لم تأمر الآيات هنا بقتل بني إسرائيل و طردهم من المدينة رغم اطلاع النبي على خائنة منهم , و رغم كونهم (كفرة) حسب التصنيف الفقهي عند الفقهاء . بل أمرته أن يعفو عنهم و يصفح

نعيد ونذكر أن سورة المائدة نزلت في حجة الوداع كاملة , وهذا يعني أن هذه السورة نزلت قبل وفاة النبي بأشهر, وهو ما يوافق إجماع كل علماء القرآن بأن المائدة هي آخر ما نزل من القرآن.

الكلام عن قتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , هو حديث تنقضه هذه الآية , فالآية أمرت بالعفو و الصفح , رغم كون اليهود والنصارى (كفرة ) حسب التصنيف الفقهي , و رغم كونهم خونة وناقضين للميثاق , وكانوا يعيشون في المدينة ومع المؤمنين في المدينة المنورة بسلام

مجتمع المدينة المنورة كان مجتمعا منفتحا و فيه تعايش بين الجميع , و الكلام عن كون مجتمع المدينة هو مجتمع من لون واحد و دين واحد مع وجود أفراد قلائل من مجموعات أخرى هو كلام عار عن الصحة , تنقضه بدون شك هذه الآيات

تؤكد الآيات كون النبي مبلغ ومبشر و نذير , وليس حاكما مطلقا له دولة , يحاسب الناس على أفكارهم و معتقداتهم و يأمرهم باتباع دينه بالقوة

مجتمع المدينة المنورة كان مجتمعا حرا , فيه كل الديانات , وحتى التشكيك في الدين و الطعن فيه لم يكن من الممنوعات

نستطيع الجزم من خلال هذه الآيات أن هذا الحديث (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) , هو حديث موضوع باطل لا أصل له , لأنه يخالف القرآن

الأحاديث النبوية يجب أن تكون شارحة أو موضحة أو مخصصة أو مبينة لأحكام موجودة في القرآن, ومن غير المعقول أن تكون مناقضة للقرآن, وعندما نجد حديثا مناقضا للقرآن فهذا يعني أنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله, حديث من بدل دينه فاقتلوه نموذجا

في العلاقة بين القرآن و الحديث

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
سورة التوبة

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه).
رواه البخاري

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ
تتحدث الآيات عن أقوام يسخرون من المؤمنين , وقد ارتكبوا أفعالا شنيعة وصفتها الآيات السابقة لهذه الآيات هنا, مما أدى لإطلاق حكم الكفر بحقهم , وهؤلاء أناس كانوا يعيشون في المدينة و يختلطون بالمؤمنين , ويسخرون منهم في الصدقات , و التفاسير التي تتحدث عن أن المقصود بهذه الآيات هو أبو طالب او أم النبي هي تفاسير غير صحيحة , لأن الآية تتحدث عن لمز المتطوعين و المتصدقين في عهد النبي

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
من حب النبي للناس و إرادته الهداية لهم , مع كونهم أناسا سيئين و كفرة , ومع سوء أفعالهم و عداوتهم الظاهرة لله و لرسوله و للمؤمنين , فقد أراد الاستغفار لهم , لكن الله أخبر نبيه , أن الله لن يغفر لهؤلاء , حتى لو استغفر لهم النبي , فعلى النبي أن لا يتعب نفسه و يحزن عليهم لكفرهم
والله هنا وصف هؤلاء بكلام واضح صريح لا لبس فيه , فقال: ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , هم كفرة بحكم الله تعالى , وليس اجتهادا من أحد , ومن أصدق من الله قولا و حكما

ومن قراءة الآيات و ملاحظة أوامر الله تجاه هؤلاء و كيفية التعامل معهم , وماهي الأحكام و العقوبات الصادرة بحقهم , نجد ما يلي

سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الله يسخر من سخرية هؤلاء , و يعدهم بعذاب أليم يوم يلقونه

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
أمر الله نبيه بعدم الاستغفار لهؤلاء , لأن الله قد عاقبهم بعدم قبول استغفار نبيه لهم, وتكفيهم عقوبة الحرمان من استغفار نبي الله لهم

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
و عقوبة أخرى لهؤلاء الكفرة, أن الله لن يهديهم لطريق الحق

من كل ما سبق نستنتج ما يلي

أولا: صرحت الآيات بكفر هؤلاء العلني , و هذا الحكم بالكفر هو حكم من الله لا شك فيه و لا ريب , وليس اجتهادا من أحد

ثانيا: عقوبة هؤلاء محصورة بيد الله وحده , فقد عاقبهم بالحرمان من استغفار نبي الله لهم , و حرمانهم من الغفران , وحرمانهم من الهداية

ثالثا: لم ترتب الآيات على هؤلاء الكفرة أي عقوبة دنيوية , ولم يأمر الله نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي أو عقوبة بحقهم , بل أمرت النبي أن يبتعد عنهم فقط , وأن لا يحاول الاستغفار لهم , فهؤلاء قوم ميؤوس منهم

يجب التنبيه إلى أن هذه الآيات هي من سورة التوبة التي نزلت في غزوة تبوك , وغزوة تبوك قد وقعت قبل وفاة النبي بعام , والنبي في هذه الأثناء يمتلك جيش و دولة تضم مكة و المدينة وما حولها ,و بإمكانه تطبيق أي عقوبة بحق أي شخص , لكن مع كون النبي حاكما و نبيا و مبشرا و آمرا , فغن الله لم يأذن له بعقوبة هؤلاء أو إقامة أي حد عليهم

من كل ذلك , فنحن هنا نستطيع الجزم بأن حديث من بدل دينه فاقتلوه , هو حديث موضوع مكذوب على رسول الله , لأنه يخالف القرآن مخالفة واضحة و علنية, و يناقضه مناقضة تامة

و الحمد لله أولا و آخرا

الكثير من الأحاديث المنسوبة للنبي تصادم القرآن بشكل واضح,وهذا التصادم هو مؤشر لا لبس فيه على كونها أحاديث غير صحيحة و منسوبة للنبي زورا و بهتانا,حديث من بدل دينه فاقتلوه نموذجا

في العلاقة بين القرآن و الحديث

حديث قتل المرتد نموذجا

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه).
رواه البخاري واحمد والترمذي و النسائي و غيرهم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
المائدة

تأملات في الآيات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
يخاطب الله المؤمنين و يحذرهم من الردة عن دين الإسلام

فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ومن يرتد عن دين الإسلام فعقوبته الوحيدة , أن الله سيأتي بمن هو خير منه , جهادا و عزة و محبة لله و خوفا منه

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
و الهداية إلى دين الإسلام هو فضل عظيم من الله , وهو يمن بهذا الفضل على من يشاء من عباده

وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
من ينضم إلى جماعة المؤمنين , و يحظى بشرف الصحبة , فهو قطعا من الفائزين الغالبين في الدنيا و الآخرة

من كل ما سبق نستطيع استخلاص النتائج التالية

أولا: لم تنص الآيات على أي عقوبة ضد من يرتد عن دين الإسلام, ولم يأمر الله نبيه بقتل هؤلاء المرتدين أو الراغبين بالردة

ثانيا: العقوبة الوحيدة للمرتدين عن دين الإسلام, أن يأتي الله بمن هو خير من المرتدين لنصرة دين الله

ثالثا: الهداية للإسلام هو فضل من الله

من الواجب التذكير أن هذه الايات هي من سورة المائدة , وهي آخر سورة نزلت على النبي , هي وسورة إذا جاء نصر الله , بإجماع كل أو معظم علماء القرآن

و قد نص الجميع على أنه لا يوجد في سورة المائدة أي آية منسوخة
وبالتالي فكل هذه الآيات هي آيات يجب العمل بها

و إذا كانت هذه الآيات هي آخر ما نزل على النبي , فمتى قال النبي (من بدل دينه فاقتلوه) , قبل نزول هذه الآيات ؟ أم بعد نزولها؟
وهل يعقل أن يقول النبي بحديث أو فعل لم يأمره الله به في القرآن؟

من كل ما سبق نستطيع الجزم أن حديث من بدل دينه فاقتلوه , هو حديث مخالف و مناقض و مصادم للقرآن, ولا يتفق معه في أي تفصيل
وبالتالي فإن هذا الحديث هو حديث موضوع لا أصل له, لأنه يخالف القرآن قطعا