هل الجنة مكان مخصص للمسلمين فقط 2

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿110﴾ آل عمران

يخبرنا الله عن حال أهل الكتاب, ويقصد بهم اليهود والنصارى

ينقسم اليهود والنصارى إلى قسمين: أناس مؤمنون وأناس فاسقون

 وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ: لفظ الإيمان هنا يشير إلى معنى الالتزام الديني وتطبيق الشرائع الخاصة بهم والمذكورة في التوراة والإنجيل

لفظ:( وَلَوْ آمَنَ) لا يمكن أن يحمل معنى الاعتقاد الديني والدخول في الإسلام, لأن الله ذكر لنا أن من أهل الكتاب أناس مؤمنون صالحون ومنهم أناس فاسقون, أي عاصون مخالفون لأوامر الله

معنى الآية
كنتم أيها المؤمنون خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر, ولو اتقى أهل الكتاب والتزموا الأوامر الدينية, وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر, لكان خيرا لهم, لكن الأتقياء الصالحون ضمن أهل الكتاب قلائل, والكثير منهم عصاة مخالفون

عندما يدخل في الإسلام عبدة الأصنام أو اليهود أو المسيحيون أو غيرهم يصبح اسمهم مسلمون مؤمنون, ويخاطبهم الله بلفظ يا أيها الذين آمنوا

أثبتت الآية بلا شك وجود مؤمنين ضمن أهل الكتاب, وسماهم الله تعالى مؤمنين

عندما يخاطب الله أهل الكتاب فهو يخاطب ويصف أناسا غير مسلمين

قوله تعالى: ولو آمن أهل الكتاب, وأن منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون, فالكلام قطعا عن أهل الكتاب وليس عن المسلمين

وجود مؤمنين ضمن أهل الكتاب يثبت دخولهم الجنة عندما يعملون الصالحات وينهون عن المنكرات

الآية تشير بدون شك لكون الجنة مكانا غير مخصصا للمسلمين فقط, وأن أهل الكتاب يدخلون كذلك الجنة

هل الجنة هي مكان مخصص للمسلمين فقط 1

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿113﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿114﴾ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿115﴾
سورة آل عمران

تأملات في الآيات

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ
يقول الله هنا : أن هناك فرق كبير بين طائفتين من أهل الكتاب , وهم ليسوا سواء.

مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
بعض أهل الكتاب , و يجب التنبه على أن الكلام هنا هو عن أهل الكتاب , وليس عن المؤمنين برسالة الإسلام , فبعضهم قائمون مصلون ساجدون لله .

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ

و تصف هذه الآية بعض أعمالهم , فهم يؤمنون بالله و اليوم الآخر , ولم تذكر الآية إيمانهم بالنبي محمد , و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات , وهؤلاء قطعا من الصالحين.

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ

و يذكر الله هؤلاء , أن كل خير يفعلوه فسيجزيهم به الله خير الجزاء.

سورة آل عمران هي سورة مدنية , وهي تحكي العلاقة مع أهل الكتاب في المدينة المنورة زمن النبي.

أظهرت الآيات عدة أشياء , ومنها:

دخول الجنة هو عمل مرتبط بعمل الخير , و لا يوجد أي ارتباط , بين دخول الجنة أو اتباع دين معين.

الإسلام يحترم الأديان الأخرى وكتبها و عقائدها , ولا يتدخل بتفاصيلها .

الكلام عن نسخ الإسلام للأديان السابقة , ووجوب دخول الجميع في دين الإسلام هو كلام عار عن الصحة و تناقضه هذه الآيات .

كيف تعامل الصحابة الكرام مع أوامر القرآن-موالاة الكفار نموذجا

كيف تعامل الصحابة الكرام مع أوامر القرآن 1

موالاة غير المؤمنين نموذجا

لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ

سورة آل عمران

يأمر الله المؤمنين هنا بعدم موالاة الكفار و جعلهم أصدقاء و خلانا و أصحابا

.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿118﴾ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

سورة آل عمران

يأمر الله المؤمنين مرة ثانية بعد اتخاذ غير المؤمنين أصدقاء و أحبابا

يخبر الله المؤمنين أن غير المؤمنين لا يحبونهم , مع أن المؤمنين يحبون الكفار

وهذا تنبيه و أمر للمؤمنين للمرة الثانية بعدم اتخاذ الكفار أصحابا و أحبابا

.

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا

سورة النساء

يأمر الله المؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء

وهذا تنبيه للمرة الثالثة بعدم اتخاذ الكفار أولياء , وقد اشترطت الآيات و سمحت للمؤمنين باتخاذ الكفار أولياء إذا هاجروا

لم تشترط الايات على الكفار الإسلام , بل اشترطت الهجرة , فمن هاجر يمن الكفار إلى بلاد الإسلام يجوز اتخاذ وليا و صاحبا و صديقا

.

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا

سورة النساء

هنا تشنيع من الله على المؤمنين الذين يتخذون الكفار أولياء من دون باقي المؤمنين

هذا هو التنبيه الرابع على موضوع عدم تولي الكفار و محبتهم و صداقتهم

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا

سورة النساء

يأمر الله المؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء, وهذا هو التنبيه الخامس في هذا الباب

يهدد الله المؤمنين بأنهم إذا استمروا على هذا الوضع في موالاة الكفار , فسيصبح من الوارد جدا حلول عذاب من الله عليهم

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٥١﴾ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ

سورة المائدة

يأمر الله المؤمنين بعدم اتخاذ اليهود و النصارى أولياء , وهذا هو التنبيه السادس للمؤمنين بعدم اتخاذ غير المؤمين أولياء

لابد من التذكير أن سورة المائدة قد نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة أشهر , وهذا يعني أن المؤمنين لغاية وفاة النبي كانوا يتخذون الكفار و غير المسلمين أولياء

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

سورة المائدة

هذا هو التنبيه السابع للمؤمنين بعدم موالاة الكفار ومن يستهزئ بدينهم علانية

لابد من التذكير أن سورة المائدة قد نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة أشهر , وهذا يعني أن المؤمنين لغاية وفاة النبي كانوا يتخذون الكفار و غير المسلمين أولياء

تشير الاية أن صحابة رسول كانوا يتخذون المستهزئين بدين الله أولياء

.

تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿٨٠﴾ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

سورة المائدة

هذا هو التنبيه الثامن للمؤمنين بعدم تولي الكفار , و أن من يفعل ذلك من المؤمنين فإيمانه غير صحيح مئة بالمئة

نعيد التذكير بأن هذ الآية هي من سورة المائدة التي نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة أشهر

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

سورة التوبة

يأمر الله المؤمنين للمرة التاسعة بعدم موالاة الكفار ولو كانوا أقرباءهم

الآية من سورة التوبة وهي مما نزل على رسول الله عام غزوة تبوك 9 للهجرة, أي قبل وفاته بسنة ونيف

.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

سورة المجادلة

يصف الله مجموعة من المؤمنين تولت الكفار , والله يعلن البراءة من هؤلاء وموالاتهم للكفار , و أنهم لم يعودوا من صفوف الجماعة المؤمنة

هذا هو التنبيه العاشر للمؤمنين بعدم موالاة الكفار

.

لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

سورة المجادلة

مازال هناك مؤمنين يوالون الكفار و يحبونهم

هذا هو التنبيه الحادي عشر للمؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ

سورة الممتحنة

هذا هو التنبيه الثاني عشر المؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء

هؤلاء الصحابة يحبون من عادى الله و رسوله

.

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

سورة الممتحنة

هذا هو التنبيه الثالث عشر للمؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء

وهؤلاء المؤمنين يوالون و يحبون من قاتلهم في الدين و أخرجهم من ديارهم

.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ

سورة الممتحنة

هذا هو التنبيه الرابع عشر للمؤمنين بعدم اتخاذ الكفار أولياء

.

استنتاجات

هناك في القرآن آيات كثيرة تتحدث عن النهي عن موالاة الكفار , و اقتصرنا في هذا المقال على 14 آية في هذه الباب

يظهر ان الصحابة لم يتعاملوا مع هذه الأوامر على أنها فروض من الله يجب اتباعها بحذافيرها , بل اعتبروها مجرد توجيهات و نصائح غير ملزمة وغير واجبة التطبيق على انها فروض

لذلك كان يأتي التنبيه بشكل متكرر للمؤمنين : أيها المؤمنين : أنصحكم أن لا تتخذوا الكفرة أولياء , فهو أفضل لكم

لو كان الصحابة يعلمون أن هذه الايات هي أوامر لكان من الكافي مرة واحدة , ومن الممكن التذكير مرة اخرى بخطورة الأمر

يظهر أن مشكلة موالاة الصحابة للكفار كانت مشكلة دائمة , ولم تستطع عشرات الآيات أن تنهي هذه المشكلة , فقد لاحظنا أنه حتى وفاة الرسول كان هناك من الصحابة من يوالي الكفار

الاستهزاء بالدين – الاستهزاء بالأذان و الصلاة وعموم الدين

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴿58﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

سورة المائدة

.

تأملات في الآيات

لا بد من التذكير هنا أن هذه الآيات من سورة المائدة , والتي هي آخر سورة نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة اشهر

وهذه الآيات تعطينا فكرة واضحة عن الحياة في المدينة المنورة و تركيبتها السكانية

ولا ننسى أن الرسول قبل وفاته كان لديه جيش و دولة و يحكم معظم الحجاز و اليمن بالشريعة الإسلامية , وهنا سنحاول معرفة كيف حكم النبي هذه الدولة و ماهي التوجيهات الربانية في هذا الباب

.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

.

يأمر الله المؤمنين أن لا يتخذوا المستهزئين بالدين أصحابا و أحبابا , وهؤلاء المستهزئين هم من أهل الكتاب , يهود و نصارى , وكذلك يوجد مستهزئين من الكفار

تشير الآية لوجود يهود و نصارى وكفار في المدينة المنورة , يعيشون بسلام مع النبي و صحابته

هؤلاء اليهود و النصارى و الكفار يستهزئون بالدين الإسلامي علانية و في مدينة رسول الله , ولا يخافون من وقوع أي عقوبة بحقهم

الأمر الوحيد الذي ورد في هذه الآية تجاه هؤلاء المستهزئين , هو عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

.

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ

.

عندما ينادي المؤذن للصلاة في مسجد رسول الله في المدينة المنورة , يشرع هؤلاء الكفار و اليهود و النصارى بالسخرية علانية من الصلاة الإسلامية , دون خوف من أي عقاب يحل بهم

يصف الله هؤلاء المستهزئين بأنهم قوم لا يعقلون

هؤلاء المستهزئين لا يخافون من دولة النبي و سلطته , ولا من جيشه و صحابته , ولا من أبي بكر و عمر بن الخطاب و غيرتهما على الدين , ومن الواضح جدا أنه لم تكن هناك قوانين تمنع السخرية من الدين في مدينة رسول الله و في زمن النبي

.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

.

هنا توجيه إلهي لكيفية التعامل مع هذا الاستهزاء و السخرية من الدين و السخرية من شعائر الإسلام من أذان و صلاة

يأمر الله بمحاورة هؤلاء , و يأمر المؤمنين أن يناقشوا هؤلاء حول سبب سخريتهم و استهزائهم بالدين الإسلامي و الشعائر

لماذا أنتم ناقمون علينا أيها الناس؟

نحن نؤمن بالله مثلكم , ونؤمن بما أنزل علينا من قرآن , ونؤمن كذلك بالتوراة و الإنجيل و غيرها من كتب سماوية , ونحترم كل هذه الكتب ومافيها , فلماذا هذا الحقد و الكره منكم تجاهنا؟

نحن نلتزم كل الشعائر الدينية و نحترمها , بينما أنتم مقصرون مذنبون ( فاسقون ) فاسدون

هل سبب نقمتكم هو التزامنا بالدين و تفلتكم منه و عدم قدرتكم على الالتزام بالدين و شعائره؟

في الآية تصريح بصحة الكتب السماوية السابقة من توراة و إنجيل و غيرها , ولو كان المؤمنون يعتبرونها محرفة أو منسوخة , لصرحت الآيات بأن سبب تشنج هؤلاء من المؤمنين هو عدم اعتراف المؤمنين بالتوراة و الإنجيل الموجودة في زمن النبي , وأن المؤمنين يعتبرونها كتبا محرفة

لم يأمر الله المؤمنين هنا بقتل هؤلاء المستهزئين بالدين و شعائر الصلاة و الأذان , ولم يأمر بتغيير هذه المنكرات العلنية في مدينة رسول الله و بوجود صحابته الكرام

أمر الله المؤمنين فقط بعدم مجالسة هؤلاء المستهزئين و عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

من المؤكد أن هذا الاستهزاء هو منكر واضح لا يحتاج إلى دليل , ومع ذلك لم يأمر الله بتغييره , وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك , أن الأحاديث التي تتحدث و تأمر بتغيير المنكر هي أحاديث باطلة

من غير المعقول أن يأمر الله المؤمنين فقط بعدم اتخاذ المستهزئين أولياء و أحبابا  في القرآن , و يأمر النبي في الأحاديث بقتل المستهزئين

القول بأن النبي أمر بتغيير المنكر و أمر بعقوبة المستهزئين هو قول باطل , لأن معنى ذلك أن النبي يتخذ إجراءات و أوامر مضادة للقرآن , فالقرآن يأمر بالتسامح مع هؤلاء , و النبي يأمر بقمعهم و قتلهم

لم يرتب القرآن على المستهزئين بالدين عموما , و الأذان و الصلاة خصوصا أي عقوبة دنيوية , وكل العقوبات الواردة في الأحاديث و الفقه هي عقوبات مخالفة للقرآن وهي باطلة قطعا

القتال في القرآن 2

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿216﴾ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿217﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

سورة البقرة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
صار من الواجب على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار , مع كرههم لهذا القتال وعدم رغبتهم فيه , والله يخبر المؤمنين , بأن هذا القتال قد يكون فيه خير كثير لهم من حيث لا يعلمون

.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ
يتساءل المؤمنون متحرجين من القتال في الأشهر الحرم داخل مكة , هل يحل القتال في مكة وعند بيت الله ؟ و يجيبهم الله بهذه الإجابات

 قُلْ

.

قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ
نعم إن القتال في الأشهر الحرام هو كبيرة من الكبائر

.

وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وفي هذا القتال صد عن سبيل الله

.

وَكُفْرٌ بِهِ
وفي هذا القتال كفر بالله

.

وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
و في هذا القتال إساءة للمسجد الحرام

.

وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ
لكن المؤمنين مضطرون لهذا القتال و مجبرون عليه , فقد قام هؤلاء الكفار بالتعدي على المؤمنين في مكة , وقد أخرجوا أهلها من المؤمنين خارجها , وهذا العمل الذي فعله الكفار , هو أكبر و أعظم جرما من القتال في مكة و عند الحرم

.

وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ
و يذكر الله المؤمنين , بأن الفتنة التي افتعلها الكفار في مكة هي اكبر و أعظم عند الله , فتشريد الآمنين من بيوتهم جريمة كبيرة

.

وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ
ويشرح الله لنا سبب القتال , وهو رغبة الكفار في عودة المؤمنين عن إيمانهم بدعوة الإسلام  و الإيمان بالقرآن كتابا , و إجبارهم على العودة إلى الأديان التي خرجوا منها
ومن هنا نستنتج السبب الرئيسي لهذه الفتنة العمياء في مكة , وهي رغبة الكفار في عودة المؤمنين إلى دينهم الأساسي , وبالتالي, فمن يجبر الآخرين على الدخول في دين معين هم الكفار , وليس المؤمنون

.

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
يحذر الله المؤمنين من الانصياع للضغوط التي يمارسها هؤلاء الكفار عليهم , و اختلاق الفتن و المشاكل , وأن من يرتد عن دينه و يعد إلى دين آبائه , فستحبط كل أعماله في الدنيا و الآخرة
ومن الملاحظ هنا أن الآية لم تهدد المرتدين بأي عقاب دنيوي من قبل الجماعة المؤمنة التي يقودها النبي , بل اكتفت بالعقوبة من الله وحده فقط ولم يطلب الله من نبيه إقامة حد الردة على هؤلاء المرتدين

.

من التعليقات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

سبب القتال هو تعدي الكفار على المؤمنين , و إخراجهم من بيوتهم , ومحاولة إجبارهم على العودة إلى أديانهم التي خرجوا منها بالقوة

القتال الحاصل من قبل المؤمنين , هو ردة فعل على ما يفعله الكفار من تعدي على المؤمنين

سبب القتال من قبل المؤمنين هو سبب غير ديني , أي بمعنى آخر, لا يحاول المؤمنون فرض دينهم على الآخرين , بل هم ضحايا للعنف الديني من قبل الآخرين , ويحاولون فقط الدفاع عن أنفسهم , أما الآخرون فهم يحاولون إجبار المؤمنين على العودة إلى دينهم الأساسي بالقوة و القتال

النساء في القرآن 2 – الحجاب

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59)

سورة الأحزاب

تأملات في الآيات

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

يحذر الله من الإساءة للذات الإلهية ومن الإساءة لشخص النبي محمد , و الإساءة هنا تحتمل كافة معاني الأذى

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينً

من يؤذي المؤمنين و المؤمنات بغير ذنب اقترفوه فقد أصاب إثما عظيما

من الواضح من الآيات السابقة وجود حملة ممنهجة للإساءة للذات الإلهية و لشخص النبي و نساء النبي و نساء المؤمنين

هذه الحملة تستهدف كل ماهو متعلق بالدين الجديد من قبل الآخرين

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

خلال هذه الحملة الممنهجة لإلحاق الأذى بكل ماهو إسلامي أمر الله نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن عليهن حتى يعرفن أنهن مؤمنات فلا يتعرض لهن الآخرون بالأذى
 ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ

نلاحظ أن الأمر بالحجاب جاء نتيجة ظرف طارئ لحق بالجماعة المؤمنة , و ليس قاعدة عامة يعمل بها في الأوقات الطبيعية

أرادت الآية حماية المؤمنات من الأذى الذي يلحق بالجماعة المؤمنة , وليس للحجاب أي غاية أخرى
  ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ

من خلال الآيات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

يجب على الجماعة المؤمنة اتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل حماية النساء المؤمنات في الأوقات الحرجة , بما في ذلك الأمر بالحجاب , إن كان هذا الأمر يحمي المؤمنات بطريقة ما من الأذى

الحجاب حالة طارئة وليس قاعدة عامة يجب على النساء الالتزام بها في الأوقات الطبيعية

حماية المؤمنات من الأذى هو الهدف الأساسي لفرض الحجاب عليهم في أوقات الطوارئ , ولو استطاعت الجماعة المؤمنة حماية النساء بطرق أخرى من مثل : قوانين صارمة تحمي النساء و تمنع إلحاق الأذى بهن , فهذا كاف

النساء اللواتي يضعن الحجاب و يتعرضن للأذى بسبب هذا الحجاب يعتبرن آثمات ومخالفات للقرآن الكريم , لأن الغاية السامية و الأساسية لرب العزة هو حماية النساء من الأذى بأي طريقة كانت , وليست الغاية اطلاقا ارتداء الحجاب

لم ترد أي إشارة من قريب أو بعيد لكون غاية الحجاب هو حماية المجتمع المؤمن من الفتنة و حماية الشباب من إثارة الغرائز و الشهوة , والذي يقول أن غاية الحجاب هو حماية الشباب المؤمن من ذلك فهو يخالف مراد الله علانية و يخشى عليه من عقاب الله

كل الأحاديث التي تتحدث عن كون الحجاب هو حماية للمجتمع المسلم من فتنة النساء هي أحاديث باطلة ومخالفة للقرآن الكريم , فغاية الحجاب هو حماية المرأة المؤمنة في حالات الطوارئ , وليست حماية غيرها

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 7

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

طلبت الآية من اليهود و النصارى التوبة و الخضوع لله و الامتثال لأوامره , وهم إن فعلوا ذلك فسيدخلون الجنة حتما

لم تطلب الآية من اليهود و النصارى التحول للإسلام حتى يدخلوا الجنة

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ

تؤكد هذه الآية المعنى السابق وهو التقوى و الخضوع لله و التوبة له , و ليس التحول إلى الإسلام

إن التزم اليهود و النصارى بكتبهم الدينية المنزلة إليهم من ربهم فستصبح حياتهم نعيما لا نهاية له

تصف الآية أن الكثير من اليهود و النصارى متفلتون و غير ملتزمين دينيا , لكن هناك صالحون منهم و أتقياء

من مجمل الايات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

أثبت الآيات صحة التوراة و الإنجيل و عدم وجود تحريف أو نسخ فيهما

طالبت الآيات اليهود و النصارى بالتزام دينهم , ولم تطلب منهم التحول إلى الإسلام

لم تطلب الايات من اليهود و النصارى اتباع القرآن , بل طالبتهم بالتزام كتبهم , و الله لا يطلب من الناس التزام كتب محرفة أو كتب غير موجودة بنسختها الأصلية التي أنزلها الله

التزام الشخص بتعاليم دينه أيا كان دينه هو الشيء الوحيد المطلوب كي يدخل الجنة و يعيش حياة طيبة حسب الآيات

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 4

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴿64﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

سورة التوبة 64-65

تأملات في الآيات

من الضروري التذكير أن سورة المائدة نزلت في غزوة تبوك عام 9 للهجرة , هذا يعني أنها نزلت قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا , و هذا أن يعني أنها نزلت بعد أن أسس النبي دولة الإسلام التي يقودها بنفسه , و تسري فيها أحكام القرآن , وفي تحليلنا لهذه الآيات نحاول فهم أوامر الله في كيفية التعامل مع الكفار الذين يعيشون داخل الدولة الإسلامية

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

يوجد في المدينة المنورة الكثير من المنافقين , الذين يبطنون الكفر و يظهرون شعائر الإسلام , و هؤلاء في قلوبهم يكرهون كل ما يفعله النبي و لا يريدونه , ولا يتركون مناسبة للسخرية من الدين إلا و يستغلونها لإظهار حقدهم على هذا الدين و أهله

تصف الآية مشاعر هؤلاء المنافقين و أنهم يخافون من نزول آيات تظهر خبايا نفوسهم , و الآية تقول لهم : افعلوا ما شئتم , فإن الله سيفضحكم و يظهر للناس ما تخفون في صدوركم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

عندما يسأل النبي هؤلاء المنافقين عن سبب استهزائهم بالدين ؟ يجيبون بأنهم كانوا يلعبون و يقضون الأوقات مع الأصحاب , و ليس لديهم ما يفعلونه , لذلك فقد قعدوا للاستهزاء بالدين

و يستنكر الله عليهم هذه الإجابة و يسألهم : هل اللعب والاستهزاء بالدين هو مجال لسخريتكم و قضاء أوقات فراغكم

و من المؤكد حسب الآية أن هؤلاء يسخرون من الدين علانية بدون خوف من النبي ولا من دولته , و النبي يناقشهم بكل هدوء , و لا يوجد في الآيات أي خوف من السلطة الي يملكها النبي , و أنه قادر على فرض أي عقوبة عليهم

لو كان هناك في زمن النبي قانون يمنع الاستهزاء بالدين و يعاقب عليه لما استهزأ هؤلاء بالدين في أوقات فراغهم و لهوهم

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

بعد النقاش الذي دار بين النبي و هؤلاء المنافقين حول الاستهزاء بالدين , قام هؤلاء بالاعتذار للنبي و أنهم لم يكونوا يعلمون بأنه لا يجوز الاستهزاء بالدين

يصدر الله حكمه في هذا القضية فيقول: أيها المستهزئين بالدين أنتم بين خيارين : قد نعفو عن استهزائكم , لكن المجرمين و الناس السيئين سنقوم بتعذيبهم

صرحت الآيات بأن المستهزئين بالدين قد كفروا , و أن الاعتذار لن يفيدهم بشيء , ولا حاجة لهم للاعتذار و تبرير موقفهم

صرحت الآية بأن الله سيعذب البعض من هؤلاء ليس بسبب استهزائهم بالدين , لكنه سيعذبهم بسبب إجرامهم في الأرض و إفسادهم

من التحليل السابق نستطيع استنتاج بعض النتائج

في المجتمع الذي أسسه النبي في المدينة توجد حرية تدين مفتوحة , ولا رقابة على الضمير أو الاعتقاد

يحتوي مجتمع المدينة على منافقين و كفار و غير مؤمنين , و الأحاديث التي تتحدث عن كون مجتمع المدينة هو مجتمع خاص بالمؤمنين هي احاديث تناقض هذه الآيات و تعتبر باطلة

صرحت الآيات بأن المستهزئين بالدين هم كفار

طلب الله من نبيه مناقشة هؤلاء الكفار المستهزئين بالدين

لم تنص الآيات على أي عقوبة دنيوية على المستهزئين بالدين , و تركت الباب مفتوحا لهم , فقد يغفر الله لهم سخريتهم من الدين

يعاقب الله يوم القيامة المجرمين من هؤلاء الكفار المستهزئين , أما في الدنيا فلا عقوبة على الكفار و المستهزئين بالدين

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 5

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿67﴾ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴿68﴾ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

سورة التوبة

تأملات في الآيات

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

تتحدث الآية عن أفعال المنافقين في المدينة المنورة , وهم يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و لا ينفقون في سبيل الله , و قد نسوا الله , فعاقبهم الله بعقوبة لن ينسوها , وهي أن الله نسيهم و لن يذكرهم

وهل هناك عقوبة أعظم و أشد بأن ينسى الله عبده؟ فيتركه على وجه هذه الأرض بدون توجيه من عنده جل جلاله

وهناك عقوبة أخرى و هي أن الله حكم على المنافقين بأنهم و الفاسقين سواء

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ

وهذه عقوبة ثالثة: النار هم مأوى المنافقين و الكفار , واللعنة هي مصيرهم , والعذاب المقيم هو ما ينتظرهم

ولم يعد الله المنافقين و الكفار بأي عقوبة دنيوية , ولم يأمر نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحقهم

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

تشير الآية إلى أن الكفار و المنافقين موجودون في المدينة , وكانت لهم قوة و أموال و أولاد , وكانوا يحتمون بقوتهم و حضورهم في المجتمع , و الآية تحذرهم من الاغترار بالقوة , فهناك الكثير ممن كان قبلهم , كانوا أكثر منهم قوة , وقد عاقبهم الله , ولم تنفعهم قوتهم شيئا

 أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

تشير الآية إلى أن جميع الأعمال الصالحة التي فعلها الكفار و المنافقون لم تعد تنفعهم , في الدنيا و الآخرة

هنا إشارة مهمة إلى أن الله يتقبل الأعمال الصالحة من الكفار و المنافقين , لكن الله في حالة هؤلاء لن يتقبل منهم أي عمل صالح

تقول الكتب الفقهية أن الله لا يتقبل أي عمل صالح من الكفار بسبب كفرهم , و أنهم أساسا لا يوجد لديهم أعمال صالحة بسبب كفرهم

لكن الآية هنا تناقض الأقوال الفقهية , وتقول أن للكفار أعمالا صالحة و أن الله بسبب أفعالهم السيئة لن يقبلها

سنحاول هنا ملاحظة الأفعال التي فعلها هؤلاء الكفار و المنافقون و التي سببت عدم قبول أعمالهم الصالحة في هذه الآيات فقط

 يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ

 وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ

 وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ

 نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ

 فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ

 وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

كل الأسباب الواردة في هذه الآيات تتحدث عن معاملات بين الناس و فساد في المجتمع يسعى إليه هؤلاء , ولم يذكر الله أي إشارة حول رفضهم الدخول في الإسلام , أو إنكارهم لوجود الله

بل العكس تحدثت الآية أنهم نسوا الله فتمادوا و طغوا , و الناسي لله هو شيء مختلف عن المنكر له

وهؤلاء لم ينكروا الله بل نسوه , و المؤمن العادي قد ينسى الله فيذكره , وقد جاءت آيات كثيرة جدا في القرآن تأمر النبي و المؤمنين بذكر الله إذا نسوه

 وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا 

سورة الكهف

بعض النتائج من الآيات السابقة

مجتمع المدينة المنورة في زمن النبي كان يحتوي على منافقين و كفار يعيشون بسلام , و كانوا يتصرفون بكل حرية و يمارسون حتى فسادهم و إفسادهم في الأرض تحت بصر النبي محمد عليه الصلاة و السلام

للكفار و المنافقين أعمال صالحة قد يتقبلها الله , لكنهم في حالة سعيهم في الفساد في الأرض فلن تنفعه هذه الأعمال شيئا

الخلاف مع الكفار و المنافقين ليس خلافا حول دخولهم الإسلام أو رفضهم له , و القرآن لم يطلب منهم الدخول في الإسلام , بل طلب منهم الكف عن الفساد في الأرض

حرية العقيدة في القرآن محفوظة في القرآن لكل شخص, و لا يأمر القرآن أي شخص باتباع دين معين

مهمة النبي هي الوعظ و التنبيه وليس إجبار الناس على فعل أشياء لا يريدونها , أو محاسبتهم على أفكارهم و عقائدهم

لابد هنا من التذكير أن هذه الآيات من سورة التوبة , التي نزلت في غزوة تبوك , قبل وفاة النبي سنة ونصف , أي بعد أن كان للنبي دولة  وجيش و قوة قادرة على فرض أحكام الدين

وهذا يشير قطعا أن دولة النبي ليس فيها محاسبة للناس على افكارهم و اعتقاداتهم ولا حتى أفعالهم الفاسدة في المجتمع

الله وحده هو من يعاقب الناس و يحاسبهم على أفعالهم ولا سلطة لأي شخص على الناس كي يحاسبهم على أفكارهم و معتقداتهم

الأحاديث التي تتكلم عن إجبار الناس على الإسلام , و إجبارهم على إظهار شعائر الإسلام , و أن المجتمع الإسلامي تمنع فيه المظاهر الغير إسلامية هي أحاديث قطعا باطلة

عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ . مُتفقٌ عليه

الآيات هنا تتحدث عن أناس كفار ومنافقين , لم يسلموا و قد كانوا بجوار النبي وفي مدينته , وهذه الآيات بلا شك تنسف هذه الأحاديث الموضوعة المنسوبة للنبي زورا

من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم

وحسب الآيات السابقة , فقد رأى النبي منكرات في مجتمعه و لم يغيرها , وهو قد خالف الحديث الذي قاله , مع أنه كان قادرا على تغييرها

في المجمل نستطيع القول : أن كل الأحاديث التي تتحدث عن تغيير المنكرات في المجتمع بقوة السلطة هي أحاديث باطلة لمخالفتها للقرآن

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 3

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴿50﴾ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴿52﴾ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿53﴾ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿54﴾ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿55﴾ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ

سورة التوبة

تأملات في الآيات

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ

هؤلاء الكفار يعيشون مع النبي في المدينة , وعندما تصيب النبي مصيبة يفرحوا بها و يشمتوا , و لكن يحزنون إن كان النبي في خير ونعمة

ومن الواضح من الآية أن هؤلاء يظهرون مشاعرهم تجاه النبي بكل حرية ولا يخافون أن يعاقبهم النبي على إبداء مشاعرهم

لا بد من التذكير أن هذه السورة نزلت في غزوة تبوك عام 9 هجري , أي بعد أن كان للنبي دولة و جيش و شرطة و قادر على تطبيق أي عقوبة بحق أي شخص , و قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا

يعلم الله نبيه كيفية التعامل مع هؤلاء , فيأمره أن يقول لهم : أن الخير و الشر بيد الله , و فرحكم أو شماتتكم بنا لن تغير شيئا من أمر الله

من الملاحظ أن الله لم يأمر نبيه بقمع هؤلاء و محاسبتهم على إبداء شماتتهم بالنبي , وحزنهم على الأمور الجيدة التي تصيبه , بل أمر الله نبيه أن يرد عليهم بالقول فقط , و تصحيح مفاهيمهم الدينية

قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ

وهنا تأتي العقوبة من الله تعالى , و يخبر نبيه أنه لن يتقبل منهم أي عمل صالح سيفعلونه , و أن كل نفقاتهم لن تكون في صالحهم يوم القيامة , حتى لو أنهم أنفقوها في سبيل الله

و سبب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم فاسقون

وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ

و أحد أسباب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم كفروا بالله و رسوله و يتكاسلون عن الصلاة و ينفقون في سبيل الله وهم كارهون للإنفاق

وهنا يشير الله بكلام واضح لا شك فيه أن هؤلاء كفار بالله و رسوله

فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

وهنا عقوبة اخرى بحق هؤلاء , وهي ان الله سيجعل أموالهم و اولادهم سبب شقاء لهم

و الأسرة التي يعيش الآباء فيها في تخبط فكري  وديني , ولا يستطيعون اتخاذ مواقف واضحة و حاسمة حيال هذه المواضيع , ستعيش بلا شك حالة عذاب , و يكون المال و الأولاد فيها مصدر عذاب للآباء

أسرة غير مستقرة , تنتج أطفال غير مستقرين , فينتج عنها حالة فوضى وعذاب للآباء و الأبناء

من التحليل المبسط السابق نستطيع استنتاج بعض الملاحظات

صرحت الآيات بما لا يقبل الشك أن هؤلاء الناس كافرون بالله و رسوله

يعيش هؤلاء الكفار في المدينة مع النبي بسلام , ولا يخافون من إبداء مشاعرهم تجاه النبي و الدين و النظام الاجتماعي كله

لا يوجد في مجتمع المدينة الذي أسسه النبي أي إكراه على فكر و دين معين , و للجميع حرية الرأي و التفكير و التعبير عن آرائهم , حتى لو كانت هذه الآراء متعلقة بشخص النبي

كل الأحاديث التي تتكلم عن وجود إرهاب فكري في عصر النبي هي أحاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات

كل الأحاديث التي تتكلم عن اختفاء غير المسلمين من المدينة , و أن مجتمع المدينة لا يحتوي إلا مسلمين صالحين هي احاديث باطلة ولا شك

حرية الاعتقاد هي حرية مقدسة في القرآن , حتى لو كان هذا الاعتقاد مما يصادم الإسلام و يناقضه

أشارت الآيات إلى حصول أذى مباشر بحق النبي , و إساءة علنية , ومع كل ذلك لم يأمر الله نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحق هؤلاء , و بالتالي نستطيع الجزم بأن كل الأحاديث التي تتكلم عن عقوبة المسيء للنبي هي احاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات