موقف القرآن من علم التفسير 2

هل علماء التفسير هم الوحيدون القادرون على فهم القرآن

الجن

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴿29﴾ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿30﴾ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿31﴾ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿32﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿33﴾ الأحقاف

في هذه الآيات المباركات يخبرنا الله عن حضور الجن لاستماع القرآن الكريم

وأن الجن قد فهمت القرآن من أول مرة ومن دون أي علم بالقواعد الدينية التي وضعها المفسرون

ومن الواضح أن الجن قد أصبحوا دعاة إلى الله وذهبوا لدعوة قومهم بمجرد سماعهم للقرآن ومن دون حضور أي مجالس للذكر أو تعلم اللغة العربية وقواعدها, ومن دون حفظ الأحاديث النبوية, ومن دون معرفة أي قاعدة من قواعد الدين التي وضعها علماء الدين

تظهر الآيات معرفة الجن بالتوراة حيث قالوا: سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى, وهذا يشير إلى كون المعرفة بالتوراة شيء مفيد لفهم القرآن ومعرفة الحق الذي فيه, حيث أن الجن بمجرد سماعهم للقرآن عرفوا ما فيه من الحق

تظهر الآيات أن هؤلاء الجن وقومهم لم يكونوا مؤمنين, لأن الآية تخبرنا أنهم خاطبوا قومهم بهذا الكلام: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ.

فهم الجن للقرآن مع كونهم كانوا غير مؤمنين وعلمهم لما فيه من الحق من دون أي علم بالعلوم الشرعية التي يشترطها المفسرون, يشير لكون هذه الشروط هي شروط لا أصل لها وقد وضعت لجعل فهم القرآن حكرا على طبقة معينة من الناس, تنتفع منها ماديا واجتماعيا

.

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ ﴿31﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿32﴾ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ۚ لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴿33﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿34﴾ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴿35﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿36﴾ الرحمن

في هذه الآية المباركة خاطب الله الجن مباشرة وتحداهم أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض

ومن الواضح أن كلام الله هنا مفهوم للجن وبدون أي تفسير أو الحاجة لمفسرين

التحدي هنا جاء للإنس والجن, مسلمهم وكافرهم ومشركهم, والخطاب عام, ولم يطلب الله من النبي تقديم تفسير لكلامه للإنس والجن, لأن كلامه يحتاج إلى تفسير ولا يفهمه إلا المسلمون, حسب زعم علماء التفسير

.

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴿1﴾ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴿2﴾ وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴿3﴾ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴿4﴾ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴿5﴾ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴿6﴾ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴿7﴾ الجن

في هذه الآيات أن الجن استمعوا للقرآن, وعلموا أنه كلام عظيم ويحتوي معاني الحق والكمال فقالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا.

قد علم الجن أن هذا القرآن هو شيء عجيب لا مثيل له من دون أي تفسير أو مفسرين, وقد فهموا محتواه وعلموا مقاصده ومعانيه

بمجرد سماعهم للقرآن من أول مرة تحول هؤلاء الجن إلى دعاة إلى الله يدعون إلى التوحيد ويحاربون الشرك والخزعبلات

من المؤكد أن هؤلاء الجن لم يدرسوا أي علم من علوم فهم القرآن على الإطلاق وقد استطاعوا فهمه من دون مفسرين

تؤكد الآيات هنا بما لا يدع مجالا للشك أن الله قد يسر الذكر وجعله سهلا ويفهمه كل إنسان, وصدق الله إذ قال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

موقف القرآن من علم التفسير 1

هل علماء تفسير القرآن هم الوحيدون القادرون على فهم القرآن ومعانيه وأوامره ونواهيه

الكفار

تشترط كتب التفسير شروطا كثيرة يجب توافرها في الشخص الذي يريد التصدي لمهمة تفسير القرآن وفهمه, لكن هل هذه الشروط توافق القرآن أم تخالفه

نحاول في سلسلة هذه المقالات معرفة مدى موافقة هذه الشروط للقرآن الكريم

أولا سنقوم بذكر بعض الاشتراطات التي يجب توافرها في مفسر القرآن وليس كلها ,نقلا عن علماء التفسير وحسب ما ورد في كتبهم

قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالمًا بلغة العرب

ولا بد للمفسر من معرفة أصول الفقه؛ ليميز بين النص، والظاهر، والمجمل والمبين، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، والناسخ والمنسوخ. والعمل عندما يبدو أنه تعارض

قال ابن تيمية: ومعرفة سبب النزول، يعين على فهم الآية

نقل السيوطي عن أبي طالب الطبري في أوائل تفسيره عن آداب المفسر: اعلم أن من شرطه صحة الاعتقاد أولا… فإن من كان مغموما عليه في دينه لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين، ثم لا يؤتمن في الدين على الإخبار عن عالم، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى، ولأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد أن يبغي الفتنة ويغر الناس بلينه وخداعه كدأب الباطنية وغلاة الرافضة، وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه كل ما يوافق بدعته كدأب القدرية، فإن أحدهم يصنف الكتاب في التفسير ومقصوده منه الإيضاح الساكن ليصدهم عن إتباع السلف ولزوم طريق الهدى

قال الزركشي في فصل عن: أصل الوقوف على معاني القرآن التدبر: واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا تظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة، وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر أو هوى أو حب الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان أو ضعيف التحقيق، أو معتمدا على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر

قال السيوطي في التحبير, فصل: من يقبل تفسيره ومن يرد: ولا يقبل ممن عرف بالجدال والمراء والتعصب لقول قاله، وعدم الرجوع إلى الحق إذا ظهر له، ولا من يقدم الرأي على السنة، ولا من عرف بالمجازفة وعدم التثبيت، أو بالجرأة والإقدام على الله وقلة المبالاة

قال صاحب كتاب المباني: أن مما يحتاج إليه المفسر: أن يكون من أهل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فإن كل واحد محوط بما هو طالبه، وينحو نحو ما هو همته ورغبته، فمن رغب في الدنيا انصرفت همته إليها، وسيكون ما يسبق إلى قلبه من وجوه ما يريد أن يتكلم فيه على وفاق ما في همته، وما أخوفه إذ ذاك أن يصرف كتاب الله تعالى إلى ما تهوى نفسه، فيضل بنفسه ويضل غيره

وهناك شروط أخرى كثيرة لا مجال لذكرها, وقد اكتفينا ببعضها لإظهار هذه الشروط

قال تعالى في سورة الكافرون

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿1﴾ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴿4﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

خاطب الله الكفار مباشرة وقد فهم الكفار هذه الآيات ووعوها مع أنهم كفار لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بالقرآن وليس لديهم أي علم بالعلوم الشرعية

قال تعالى في سورة قريش

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ﴿1﴾ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴿2﴾ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ ﴿3﴾ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

خاطب الله هنا قريش الكافرة المعاندة التي تحارب الله ورسوله وتنكر القرآن وكل العلوم الشرعية, وقد فهموا هذه الآيات وعلموا ما فيها, وقد فهموا كل حرف فيها

قال تعالى في سورة التكاثر

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿1﴾ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿2﴾ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿3﴾ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿4﴾ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴿5﴾ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿6﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿7﴾ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ

هذه الآيات هي خطاب لمشركي العرب وكفارهم, تنذرهم وتخوفهم من العذاب الذي ينتظرهم, ومن الواجب أن يكون هؤلاء العرب قد فهموا هذه الآيات بشكل جيد, وعلموا كل ما تحتويه من معاني وأوامر ونواهي

جاء في سورة العلق أمر وتحذير مباشر موجه للطغاة

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿6﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴿7﴾ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ﴿8﴾ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ ﴿9﴾ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ﴿10﴾ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ ﴿11﴾ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ ﴿12﴾ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿13﴾ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ ﴿14﴾ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴿15﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿16﴾ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴿17﴾ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴿18﴾ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ

يخاطب الله هذا الإنسان فيقول

يا أيها الذي يؤذي المصلين, وكذب وتولى, ألم تعلم بأن الله يرى

لئن لم تنتهي أيها المتكبر الجبار, لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ

وهذا المتكبر الجبار فهم معاني الآيات كاملة, وفهم معاني: الناصية, وناصية كاذبة خاطئة, وناديه وغير ذلك

مع أن المفسرين اختلفوا في تفسير هذه الكلمات اختلافا طويلا لا نهاية له, واستندوا إلى أحاديث الرسول وصحابته لمحاولة فهم الآية, وهذا المتكبر الجبار فهم هذه الآيات بدون أي معرفة له بالأحاديث النبوية والفقه وأصوله

لا يمكن القبول بأن هؤلاء الكفار لم يفهموا معاني هذه الآيات, لأن ذلك يعني أن الله خاطب هؤلاء بكلام لا يفهموه ولا يعقلوه

مهمة القرآن هي إيصال المعاني لكافة الناس كي يفهموها ويعوها ويقبلوا ما فيها ثم يتبعوها

هؤلاء الكفار الذين خاطبتهم الآية من المؤكد أنهم فهموا معانيها, وإذا قلنا إنهم لم يفهموا ما جاء فيها فهذا يعني أن الله خاطبهم بكلام لا يفهموه, وبالتالي فهم معذورون يوم القيامة ولا يلحق بهم أي عذاب, لأن رسالة الله إليهم وخطابه لم يصلهم ولم يفهموه وهو كلام صعب الفهم عليهم بسبب عدم علمهم بالعلوم الشرعية والأحاديث النبوية والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر وغير ذلك من علوم شرعية لا يعلمها إلا المسلمون المختصون فقط

تخبرنا الآيات أن كل هذه القواعد التي وضعها المفسرون مخالفة للقرآن بشكل كامل, وتعمل على تعقيد القرآن وجعلها كلاما صعب الفهم, ولا يفهمه إلا المسلمون المختصون, مع أن الله خاطب غير المسلمين مباشرة من دون مفسرين