لفظ (كتب عليكم) في القرآن

لفظ (كتب عليكم) في القرآن

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿178﴾ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿179﴾ البقرة

يخبرنا الله في هذه الآيات أن القصاص مباح لنا إن أردنا القصاص من القتلة

وفي حالة العفو من أهل القتيل وولي الدم فلا يجب القصاص

يحمل لفظ كتب هنا معنى إباحة القصاص لمن أراد القصاص, ويحق للناس أن لا يقتصوا من القتلة ويحق لهم أن يعفو أو يقبلوا الدية

لا يحمل لفظ كتب هنا معنى وجوب القصاص

من لم يقتص فلا إثم عليه ولا عذاب, بل قد يكون ذلك من الأعمال الجيدة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله

.

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴿180﴾ البقرة

يخبرنا الله في هذه الآيات أن كتابة الوصية للوالدين والأقارب مباحة لمن أراد

لا يحمل لفظ كتب هنا معنى وجوب كتابة الوصية للأقارب

من لم يكتب وصيته للأقارب والوالدين فلا إثم عليه, فالآية أباحت هذا الأمر

.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿183﴾ البقرة

يخبرنا الله أنه قد أباح لنا عبادة الصيام وجعلها من القربات

عبادة الصيام كانت عبادة موجودة سابقة لدى كل الأمم

من لم يصم فلا إثم عليه, ومن صام لله فقد تقرب إليه بالعبادة وسار على درب المتقين

الصوم عبادة متاحة لمن أرادها وليست واجبة على كل أحد

.

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿216﴾ البقرة

أباح الله لهذه الأمة القتال في هذه الآية

من المعلوم أن القتال لا يقع إلا على الرجال القادرين على القتال والراغبين فيه

لا يجب القتال على النساء والأطفال والغير قادرين على القتال والعجزة

جاء لفظ كتب شاملا لكل المخاطبين, لكنه في الحقيقة يشمل فقط الرجال القادرين والراغبين بالقتال

لفظ كتب هنا حمل معنى إباحة القتال لمن أراد القتال وكان قادرا عليه

.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿246﴾ البقرة

طلب بنو إسرائيل من نبيهم أن يأذن لهم بالقتال فقالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

فخاطبهم نبيهم ورد عليهم: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا, أي بمعنى: قد نأذن لكم بالقتال, لكن هل أنتم حقا مستعدون للقتال

رد بنو إسرائيل على نبيهم: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا

يخبرنا الله أنه عندما أذن لهم بالقتال تولوا ولم يقاتلوا حق القتال فقال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ, أي فلما أذنا لهم بالقتال, لم يقاتل إلا القليل منهم

ورد لفظ كتب في هذا الموضع مرتين, وفي تلك المرتين حمل معنى إباحة القتال والإذن فيه

.

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿154﴾ آل عمران

يحدثنا الله عن طائفة من المؤمنين ليس لديها رغبة بالقتال, ويبحثون عن الأعذار حتى يتهربوا من القتال

يخبر الله هؤلاء الغير راغبين بالقتال: أن أعمار الناس مقدرة ومكتوبة, والقتال لا يقصر أعمار الناس إن كان الله قد كتب لهم طول العمر

ومن قدر الله عليه الموت في يوم معين, سيموت حتى لو كان في فراشه أو في ساحات القتال

قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ: أي من قدر عليه الموت أو القتل فسيموت أيا كان مكانه

حمل لفظ كتب معنى: قدر عليه, أو حان أجل موته

.

نتائج

في كل المواضع التي ورد فيها لفظ كتب وجدنا أن اللفظ يحمل معنى الإباحة وجواز فعل الشيء

لم يحمل فعل (كتب) أبدا معنى الفرض والواجب على كل شخص

لا يترتب على عدم (القصاص أو القتال أو كتابة الوصية أو الصيام) أي عقوبة من الله تعالى

وجدنا أن الله كتب القصاص علينا, لكن العفو والإحسان أفضل من القصاص

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 2

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿81﴾ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿82﴾ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴿83﴾ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴿84﴾ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿85﴾ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴿86﴾ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿87﴾ لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿88﴾ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

سورة التوبة

من المتفق عليه بين علماء القرآن أن سورة التوبة نزلت في غزوة تبوك ,في رجب من عام 9 هجري, أي قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا

و معرفة توقيت هذه السورة مهم جدا , لمعرفة أن النبي كان قادرا على تطبيق الأحكام الدينية , لأنه كان يقود دولة و لديه القدرة على تطبيق أي حكم

تأملات في الآيات

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ

تذكر الآية هنا بعض الناس الذين كفروا بالله و رسوله , أي خرجوا من الدين كاملا بدون أي شك , ووصفت الآية هؤلاء أنهم مع كونهم كفار فقد ماتوا وهم فاسقون

عقوبة هؤلاء الكفار الذين ماتوا وهم كافرون وفاسقون , أن لا يصلي عليهم النبي ولا يقف على قبره و يدعو له

وهؤلاء مجموعة وليسوا افرادا قلائل , و أي شخص يموت من هذه المجموعة فعلى النبي أن لا يصلي عليه ولا يدعو له.

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

كان النبي يتأمل في هؤلاء خيرا في سبيل الدعوة إلى الإسلام , و يرى أموالهم و أولادهم و يتمنى أن تكون في سبيل الدعوة إلى الله , و الله يقول لنبيه هنا

يا محمد , هذه الأموال و الأولاد التي عندهم , هي سر تعاستهم و آلامهم في الدنيا و الآخرة

وهؤلاء الناس المترددون السيئون يمتلكون بيوتا غير هادئة ولا مستقرة , و تكون بيوتهم مصدر عذاب و شقاء لهم , والله يبين لنبيه هذا الأمر , وأن التردد الديني لدى هؤلاء هو مصدر عذابهم في الدنيا ,  وسيموت هؤلاء وهم كافرون بالله

و الآية تخاطب النبي و تحكي له عن أناس لديهم أموال و أولاد كثيرة , ولا تتكلم عن شخص واحد كان مسلما و كفر

وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ

مازالت الآيات تصف هؤلاء الذين كانوا مسلمين و كفروا بالله و نبيه , و تصف هذه الآية رد فعلهم عندما كانت تنزل آية تأمر بالجهاد مع رسول الله , ولا بد من التنويه أن هؤلاء كانوا مسلمين و قد كفروا بالله و رسوله , أي ارتدوا عن الإسلام

فهؤلاء كانوا يحضرون نزول القرآن عند النبي , فإذا جاء الأمر بالجهاد انسحبوا إلى بيوتهم و تركوا النبي وحده

و تصف الآية هنا حال القادرين على فعل شيء يفيد الدعوة إلى الله

لدينا من هذه الآيات إشارات كثيرة تفيد أن أعداد هؤلاء الكفار كثيرة , و أنهم ليسوا أشخاصا قليلين, و هنا نورد بعض الأمثلة

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ

اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ

وكل هذه الآيات تتكلم عن مجموعة كبيرة من الكفار المرتدين عن الإسلام , الذين كانوا يعيشون مع النبي في المدينة بسلام

كلام المفسرين عن أن المقصود من هذه الآيات هم شخص واحد هو كلام باطل و تحريف لكلام الله

في هذا الجزء من هذه الآية ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ) دليل لا يقبل الشك أنهم كانوا مجموعة كبيرة , و الله يخبر نبيه فيقول : فإن رجعت إلى قسم من هؤلاء الكفار و طلبوا منك الخروج للقتال معك , فلا تأذن لهم

من التحليل السابق نستطيع استنتاج بعض الملاحظات

عقوبة الكفر بالله و الردة عن الإسلام هي الحرمان من  دعوات النبي للمرتدين , و أن النبي لن يصلي على هؤلاء صلاة الجنازة و لن يدعو لهم عند موتهم

تشير الآيات إلى أن هؤلاء المرتدين كانوا يعيشون بسلام في المدينة المنورة مع النبي , و كانوا يحضرون مجالس النبي و يستمعون له و يناقشونه و يرفضون أوامره علانية و يخذلونه

لا بد من التذكير بأن الآيات من سورة التوبة , التي نزلت قبل وفاة النبي بسنة و نصف , أي بعد أن كان للنبي دولة و جيش و شرطة قادرة على تطبيق أحكام الكفر بالله و الردة عن الإسلام

المجتمع في زمن النبي محمد في المدينة كان مجتمعا منفتحا و يحوي كل التيارات الدينية , وحتى الرافضين للإسلام و المرتدين عنه, وكان هؤلاء يتكلمون بكل صراحة بكل ما تحويه صدورهم

لم تطلب الآيات من النبي اتخاذ أي عقوبة دنيوية بحق هؤلاء , فالإكراه في الدين ليس من الإسلام , و تكميم الأفواه و إجبار الناس على فكر معين ولو كان الإسلام , هو شيء مرفوض في القرآن بكل وضوح

الأحاديث التي تتحدث عن إجبار الناس على دين معين أو على البقاء في الإسلام هي أحاديث باطلة و غير صحيحة, لأنها تخالف هذه الآيات بكل وضوح

من مثل

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم.

 (من بدَّل دينه فاقتلوه)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن الكريم 3

يمكن وصف سورة المائدة بأنها سورة التسامح أو سورة الانفتاح على الآخر , وهذا شيء طبيعي , لأنها كلمة الله الأخيرة لهذه الأرض التي تبحث عن سعادتها

يمكن لأي قارئ للقرآن الكريم أن يلاحظ أن سورة المائدة , هي سورة التسامح و الانفتاح على الآخر , وهي آخر سورة نزلت على رسول الله , وهي تعني : أن رسالة الله إلى الأرض قد تمت , و ذلك بالتأسيس للانفتاح اللامحدود على الآخر

نحاول هنا في هذه السطور متابعة أوامر الله في بناء المجتمع المثالي الذي يريده الله على هذه الأرض

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿43﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿44﴾ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
سورة المائدة

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

تصف الآية مشاعر و أفكار اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة في جوار النبي محمد , و الآية هنا تمتدح التوراة , الكتاب العظيم و الهدي المبين , الذي أرسله الله لهذه البشرية

والله يقرر و يؤكد أن حكم الله و مراده موجود في التوراة , واليهودي الذي يترك التوراة و يذهب لغيرها , فإن في إيمانه خلل شديد , حسبما تصف الآية ذلك

ولقد جاءت الآية بصيغة الاستغراب , فكيف يلجئ اليهود للنبي ليحكم بينهم في خلافاتهم ؟ مع أن لديهم التوراة , والتوراة بما فيها من نور و هداية ربانية , كافية لحل أكبر و أعظم المشاكل

 إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ

يصف الله التوراة بأنها هدى ونور عظيم , و هذا تأكيد ثاني على أهمية التوراة و مكانتها في القرآن الكريم , و المؤمن الذي يعتقد أن التوراة كتاب غير صحيح أو غير معترف به , فإنه يخالف القرآن صراحة , و يجب عليه أن يراجع موقفه في هذه الناحية

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

يصف الله من لم يحكم بما في التوراة بأنه من الكافرين , وهذه نقطة تحتاج منا إلى التوقف قليلا

المنظومة الفقهية الدينية تصف من لم يحكم بالقرآن بأنه كافر , استنادا لهذه الآية , ومن الواضح أن هذا الاستدلال خاطئ , فالآية هنا تتحدث عن اليهود و كتابهم التوراة , وأن على اليهود تطبيق حكم الله الموجود في التوراة

و المنظومة الفقهية الحالية تحتاج إلى مراجعة دقيقة , لأن هذا تحريف واضح لكلام الله

نقطة أخرى يجب الإشارة إليها , وهي وجود غير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي محمد , فالسيرة النبوية و الأحاديث النبوية تشير إلى اختفاء غير المسلمين من المدينة كمجموعات كبرى , و بقائهم كأفراد , لكن هذه الآيات تناقض هذه الأحاديث

فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا

الآية هنا تخاطب اليهود , وتأمرهم بعدم الخوف من الناس , و أن عليهم إظهار حكم الله بدون خوف, ومن المؤكد أن هذا الخطاب لم يكن موجها لأفراد , و إنما لمجموعات كبيرة , و بعض هؤلاء اليهود ليس لديه رغبة في تطبيق أحكام التوراة , و أن لديه قوة و سطوة جعلت البعض يخاف من النطق بكلام الله و حكمه

فهذه آيات تتحدث عن مجتمع عريض من اليهود بكافة شرائحه , من رجال دين و أناس عاديين و أناس أشرار لديهم القدرة على إيذاء الناس الصالحين

 وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ

وهذا تأكيد آخر على كون التوراة هي حكم الله و كلامه العظيم , و يذكر الله هنا نموذجا لما هو موجود في التوراة من الأوامر

والله يقول ( وكتبنا عليهم فيها ) , يقصد التوراة و اليهود , و الآية هنا تتحدث عن اليهود , و تناقش علاقتهم بكتابهم , و احكام دينهم , ولا يوجد أي إشارة للمسلمين  أو القران

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

القرآن هنا منفتح على الآخرين و يهتم بشؤونهم , و يحاول مساعدتهم في الوصول إلى الله , حتى لو كانوا غير مسلمين , و ينصح القرآن هنا غير المسلمين , بالاهتمام بكتبهم و دينهم

وغير المسلمين الذين لا يهتمون بدينهم و لا يلتزمون بما ورد في كتبهم المقدسة , فهم حسب التصنيف القرآني , كفار و ظالمون

من التعليقات السابقة على الآيات الكريمة نستطيع استخلاص بعض النتائج

الأحاديث النبوية التي تتحدث عن عدم وجود غير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي , هي أحاديث غير صحيحة , لأنها تخالف القرآن

حسب الآيات السابقة , هناك وجود كبير لغير المسلمين في المدينة

القرآن كتاب عام للبشرية كاملة , وهو يخاطب المسلمين و غير المسلمين

يهتم القرآن بغير المسلمين , و يصف غير المسلمين الذي لا يلتزمون بأديانهم , بأنهم أناس كافرون و ظالمون

لفظ الكفر لا يعني حسب هذه الآية غير المسلمين , و إنما يعني كل شخص غير ملتزم بدينه , بغض النظر عن دينه

في هذه الآيات ثناء عظيم على التوراة , و أنها نور وهدى من الله , و أن التحاكم إليها هو واجب على اليهود

الكلام عن بطلان التوراة أو عدم صحتها , هو كلام عار عن الصحة , و هو يخالف القرآن

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 2

ننقل هنا نصوصا من سورة المائدة , و سورة المائدة و حسب كل المختصين بعلوم القرآن , هي آخر سورة نزلت على النبي , قبل

وفاته بثلاثة أشهر

ولذلك فإن هذه السورة وضعت القواعد النهائية للتعامل مع غير المسلمين

يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ
المائدة 19

يخبر الله أهل الكتاب أنه قد أرسل لهم رسولا , وهو النبي محمد , وقد أرسله لهم بشيرا و نذيرا , و أن الله يرسل كل فترة رسولا حتى يذكر الناس و يوقظ النائم الكسلان

يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ
المائدة 41

بعض أهل الكتاب من أهل المدينة , وقد كانوا يهودا , كانوا يتلاعبون بالدين , فتارة يؤمنون , و تارة يسارعون في الكفر , والنبي محمد عندما يرى تصرفاتهم , يحزن لترددهم هذا و تلاعبهم
يخبر الله نبيه هنا أن لا يحزن لتصرفات هؤلاء و ترددهم

وتصف الآية بعض تصرفات هؤلاء المترددين بين الكفر و الإيمان , و أنهم يحرفون كلام الله عن معانيه و مقاصده , وكونهم ممن يحرفون كلام الله عن معانيه , فهذا يعني :  أن الكلام هنا ليس عن أناس عاديين , و إنما عن رجال الدين , فرجال الدين وحدهم هم الذين كانوا يتولون شرح الكتب الدينية و إيصالها إلى الناس

يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِ

ومن المؤكد أن الخلاف هنا يدور حول التوراة , و ليس حول القرآن , فهم من اليهود , و قد خاطبهم الله بلفظ أهل الكتاب , و سماهم يهودا , و اليهود عموما لا يقبلون التحاكم إلا إلى التوراة , وهذا يشير إلى أن الخلاف بين النبي محمد و اليهود كان حول فهم التوراة و تطبيقها , و ليس حول القرآن

واليهود في زمن النبي لم يعترفوا بالقرآن كتابا منزلا من الله , وبالتالي من غير المعقول أن يكون خلافهم مع النبي حول القرآن وتطبيق أوامره

ولو قلنا أن الخلاف هنا يدور حول القرآن , فهذا يضعنا أمام مشكلة , وهي أن اليهود قد قاموا بتحريف كلام الله ( القرآن) من بعد مواضعه , وهذا كلام مرفوض و غير مقبول لعدة أسباب

من أهما: أن القرآن في ذلك الوقت لم يكن كتابا متداولا بين الناس , بل كان سورا متفرقة لدى الصحابة , وكل شخص يمتلك صفحات من القرآن

وأن القرآن هو كتاب خاص بالمؤمنين من أتباع النبي محمد , ولا علاقة لليهود به

وهنا إشارة و اعتراف ضمني بصحة و سلامة التوراة ككتاب ديني مقدس , و أن النبي محمد كان يناضل و يكافح لأجل التطبيق السليم للتوراة بين اليهود الساكنين في المدينة

يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْ
رجال الدين هؤلاء من اليهود , الذين كانوا يعيشون في المدينة المنورة بسلام و أمان , و يدل على ذلك , أنهم كانوا يسارعون في الكفر , و يظهرون شعائرهم , و يقولون لاتباعهم , إذا قال لكم محمد هكذا فاقبلوا منه , و إن قال لكم غير ذلك فارفضوه , وهذه حرية مطلقة في الشعائر الدينية في المجتمع الذي بناه النبي محمد

 و رفض و قبول لما جاء به بكامل الحرية , بدون أي خوف من عقاب ناتج عن الحرية الدينية المطلقة

ومع التردد بين الكفر و الإيمان , وتحريف كلام الله عن معانيه و مقاصده , لم يطلب الله من هؤلاء اليهود الانتقال إلى الإسلام , وترك أديانهم , ولم يطلب الله من نبيه قتال هؤلاء لأنهم كفرة , و يحرفون كلام الله

لكن الله توعد هؤلاء يوم القيامة بالعذاب الشديد , بسبب ترددهم بين الإيمان و الكفر , و بسبب تحريفهم لكلام الله

و الإيمان و الكفر هنا في هذه الآيات تحمل دلالات مختلفة عن الدلالات المتداولة في الكتب الدينية الإسلامية , و مع تحفظنا على معانيها المتداولة , لكننا سنحاول فهم طريقة التعامل القرآنية مع هؤلاء

و سنقوم في مقالات قادمة بشرح مفصل لمعاني هذه الكلمات كما هي في القرآن , بغض النظر عن معناها الحالي المتداول

سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ
المائدة 42

تصف الآية هنا هؤلاء الناس المترددين من اليهود , و أنهم يأكلون المال الحرام , و في الآية السابقة تحدثت عن ترددهم بين الكفر و الإيمان , و تحريفهم لكلام الله , ومع كل هذه الأفعال و الأشياء السيئة التي يفعلونها , طلب الله من نبيه أن يحكم بينهم إذا جاؤوا إليه ليحلوا مشاكلهم , و يجب أن يكون حكمه بينهم بالعدل

وقد خير الله نبيه أن يحكم بينهم , و أن يترك الحكم , و إن تركه فإنهم لن يستطيعوا إيذاءه

ولفظ (فلن يضروك شيئا) يشير على كون هؤلاء موجودون في المدينة , و قادرون على التسبب بأذية للنبي محمد

و الكلام الذي تورده كتب السيرة و الحديث عن اختفاء غير المسلمين من المدينة قبل وفاة النبي غير صحيح , لأن الآية هنا تتحدث عن وجودهم و قدرتهم على الإيذاء , وهؤلاء قطعا لن يكونوا أفرادا معدودين و ضعفاء

الآيات التي أوردناها تشير إلى عدة أشياء نستطيع تثبيتها هنا

وجود كبير لغير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي محمد , وهو يناقض ما يرد في كتب السيرة عن اختفائهم

لغير المسلمين الحرية الدينية الكاملة , وحتى أنهم يستطيعون فعل أشياء كثيرة لا ترضي الله ورسوله ضمن المجتمع المسلم الذي اسسه النبي

لا يتدخل القرآن في حياة غير المسلمين , بل العكس هو الصحيح , حيث يكون وجوده إيجابيا , ويعمل على تصحيح الأخطاء الموجودة , وينصح برفق وهدوء , ويحل مشاكل غير المسلمين بما يستطيع

لا يجبر غير المسلمين على تغيير أي من أفكارهم أو عقائدهم أو إخفائها ضمن المجتمع المسلم

لم يرد في هذه الآيات أي إشارة على وجوب ترك هؤلاء لدينهم واتباع الدين الجديد (الإسلام)

لم يرتب القرآن على مسارعة هؤلاء بالكفر أي عقوبة دنيوية , بل حصر العقاب بالله وحده يوم القيامة

معنى لفظ ( الإسلام ) في القرآن 1

سورة البقرة

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

تأملات في الآيات

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
قال الطبري : أَخْلِصْ لِي الْعِبَادَة , وَاخْضَعْ لِي بِالطَّاعَةِ
خَضَعْت بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
هنا ارتبط لفظ الإسلام أو تعدى الفعل أسلم بحرف الجر (أسلمت لرب) , وهذا يشير إلى حالة الإسلام والاستسلام لله , ولو كان المقصود الدين الذي أتى به النبي محمد لكان كافيا أن يقول (أسلمت) , وقد ورد في أحاديث كثيرة أن النبي يقول للشخص أسلم , فيجيب أسلمت , وفي رسالات النبي للملوك جاء فيها : أسلم تسلم , ولم يقل أسلم لله , وقد كان الشخص يقول عند إسلامه : أسلمت , ولو قال الداخل للإسلام أسلمت لله لكان لكلامه معنى آخر لا يعني الدخول في الدين المرسل به النبي محمد عليه السلام

الكلام هنا عن إبراهيم عليه السلام , ومخاطبة الله له , و أمره له أن يسلم لله , ومن غير المعقول أن يطلب الله من نبيه إبراهيم الدخول في دين الإسلام الذي أتى به النبي محمد , لأن النبي محمد جاء بعد ألف سنة أو أكثر من خليل الله إبراهيم

من المؤكد أن لفظ الإسلام هنا لا يحمل معنى دين الإسلام الذي أتى به النبي محمد عليه السلام

لفظ الإسلام هنا يحمل حالة الخضوع لله و الاستسلام له


 وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

تأملات في الآيات

قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
قال الطبري : وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالطَّاعَة . انتهى كلامه

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

ارتبط لفظ الإسلام بحرف الجر (له) , وهي ملاحظة لم ينتبه لها الطبري وغيره , وهي تشير إلى حالة الإسلام لله تعالى , وحرف الجر (ل) أو (إلى) يرتبط مع فعل أسلم الذي يحمل معنى الاستسلام و الخضوع لله , ولا يأتي أبدا مع الفعل أسلم الذي يعني الدخول في دين الإسلام الذي جاء به النبي محمد

الكلام في الآيات السابقة عن إبراهيم و ذريته من الأنبياء عليهم السلام , وهم كلهم مؤمنون و أنبياء و صالحون , ووصية إبراهيم و يعقوب لبنيهما بأن يموتوا من المسلمين , لا يعني أنهم غير مؤمنين أو كفرة بالله , بل يأمرهم بحسن الاتصال بالله , و توقيره و تسليم الأمر له , وهو تأكيد على أن لفظ الإسلام هنا لا يحمل معنى الدين المقابل للكفر وعدم الإيمان , حاشاهم من ذلك

لا يمكن أن يحمل لفظ الإسلام هنا معنى الدين الذي أتى به النبي محمد عليه السلام

تفسير الطبري يطابق بشكل كبير المعنى المقصود للفظ الإسلام هنا

نستطيع القول أن اللفظ هنا يشير إلى حالة الإسلام والاستسلام لله و الخضوع له و ليس إلى دين الإسلام الذي جاء به النبي محمد عليه السلام

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

تأملات في الآيات

لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
قال الطبري : ونحنُ له خاضعون بالطاعة, مذعنون له بالعبودية. انتهى كلامه

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

ارتبط لفظ الإسلام بحرف الجر (له) وهو ما يشير إلى حالة الإسلام لله تعالى و الخضوع له

لا يمكن أن يحمل لفظ الإسلام هنا معنى الدين الذي أتى به النبي محمد , لأن الكلام هنا عن أنبياء جاؤوا قبل رسول الله بمئات السنين

تفسير الطبري يطابق بشكل كبير المعنى المراد و سياق اللفظ ضمن الآيات

نستطيع القول أن اللفظ هنا يشير إلى حالة الإسلام والاستسلام لله و الخضوع له و ليس إلى دين الإسلام الذي جاء به النبي محمد عليه السلام

من كل الآيات السابقة نستطيع القول

أن ارتباط لفظ أسلم بحرف الجر ل أو إلى , يشير إلى معنى الاستسلام لله و الخضوع له و عبادته
وأن عدم ارتباط الفعل أسلم بحروف الجر هذه يجعله يعني الدخول في دين الإسلام الذي جاء به النبي محمد عليه السلام

ورود لفظ أسلم ومشتقاته في سياق الحديث عن الأمم السابقة و الأنبياء السابقين , يشير بكل تأكيد إلى حالة الإسلام و الاستسلام لله , ولا يمكن أن يحمل بأي شكل من الأشكال الدخول في دين الإسلام الذي بعث به النبي محمد عليه السلام , ولا يحتاج هذا الأمر إلى توضيح , فلا يحتاج النبي السابق إلى الإيمان بالنبي الذي لم يولد بعده , ولن يولد إلا بعد مئات أو آلاف السنين

لفظ ( الإسلام ) في القرآن 2

في القرآن آيات كثيرة تحذر رجال الدين من التلاعب بالنصوص الإلهية و حرفها عن معناها الذي أرادها الله , هنا محاولة لتصحيح بعض تحريفات رجال الدين لآيات القرآن عن معناها الحقيقي الذي أراده الله

ومن هذه الألفاظ التي تم تحريف معناها هو لفظ (الإسلام) , وهذه مقالة لتوضيح هذا اللبس في معنى هذه اللفظ

سورة آل عمران وهي مدنية

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
قال الطبري: الدين  في هذا الموضع: الطاعة والذّلة
وكذلك “ الإسلام „، وهو الانقياد بالتذلل والخشوع، والفعل منه: “ أسلم “ بمعنى: دخل في السلم
فتأويل قوله: “ إنّ الدّين عند الله الإسلام „: إنَّ الطاعةَ التي هي الطاعة عنده، الطاعةُ له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذّلة، وانقيادُها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذلُّلها له بذلك، من غير استكبار عليه، ولا انحراف عنه، دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودة والألوهة

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
قال الطبري : فقل: انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي
هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والألوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم وإقراركم بربوبيتهم

تأملات في الآيات

لفظ الدين في الآيات هنا لا يعني العقيدية الدينية المقابلة للأديان الأخرى من مسيحية و يهودية وغير ذلك , و إنما تعني كما صرح الطبري : الطاعة , أي أن الطاعة الحقيقية لله , ومنه قولنا : دانت الدولة الفلانية لنا , أي خضعت و أطاعت لنا, ولم يصرح الطبري في كل كلامه على أن لفظ الإسلام ومشتقاته هنا تتضمن الإيمان بالنبي محمد كرسول من عند الله , و الشيء الوحيد الذي عناه اللفظ هو توحيد الله و إخلاص العبودية له

لفظ الإسلام هنا لا يعني كذلك العقيدة الدينية التي تتضمن الإيمان بالنبي محمد و إقامة الصلوات الخمس و صوم رمضان و غير ذلك , و إنما تعني توحيد الله و إخلاص العبودية له و الانقياد له

من هذه الآيات السابقة نستطيع القول : أن لفظ إن الدين عند الله الإسلام تعني : إن الطاعة الحقيقية لله تكون بإخلاص العبودية له و توحيده و نفي الشركاء عنه

لا يوجد أي إشارة في هذه الآيات إلى أن دين الإسلام الحالي الذي يتضمن الإيمان بالنبي محمد و إقامة الصلوات الخمس و غير ذلك , هو الدين المفضل عند الله , أو أنه الدين الوحيد الذي لا يقبل الله إلا به , وكل من يستدل بهذه الآيات على أن دين الإسلام الحالي هو الدين المفضل عند الله , فإنه يقوم بتحريف كلام الله عن مقاصده و تأويله بتأويلات لا يقبلها القرآن , وهذا تأويل و تحريف خطير قد يودي بصاحبه إلى النار , حيث أن الله توعد في آيات كثيرة بعذاب أليم لمن يحرف كلام الله عن معناه و مقاصده التي أرادها

العلاقة مع غير المسلمين 7

العلاقة مع أهل الكتاب في القرآن لها صفات و أحكام مختلفة بشكل جذري عن الأحكام الموجودة في كتب التفسير و الفقه و العقائد, نحاول هنا تسليط الضوء على نصوص قرآنية أسيء فهمها بشكل مقصود ومتعمد لوضع حواجز دينية مع أهل الكتاب, تجعل العلاقة معهم متوترة

حكم الزواج من أهل الكتاب و أكل طعامهم

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)

سورة المائدة هي آخر سورة نزلت على النبي محمد بإجماع عامة علماء القرآن , هي وسورة إذا جاء نصر الله , وقد ورد في آيتين منها لفظ أحل لكم الطيبات , وهذا يشير إلى كون الطيبات محرمة قبل نزول هذه الآيات ,

ولنلق نظرة في أوامر التحليل التي جاءت في هذه الآيات

قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ

وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ

وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ

وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ

إن جعل لفظ أحل بمعنى الإباحة بعد التحريم و المنع في هذه الآيات , يصطدم بعدة عقبات , تجعل هذا المعنى غير مقبول, فمثلا في لفظ الطيبات نلاحظ ورود آيات كثيرة سابقة أباحت و طلبت من المؤمنين استعمال و أكل الطيبات , ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعضها

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وهذه الآيات من سورة الأعراف المكية

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
سورة النحل مكية

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

سورة الإسراء مكية

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
غافر مكية

يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
المؤمنون مكية

يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
البقرة مدنية وهي أول سورة نزلت في المدينة

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
البقرة مدنية

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
البقرة مدنية

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
الأعراف مكية

كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى
طه مكية

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
النور مدنية

من الواضح من خلال الأمثلة السابقة , أن الله أمر الناس و المؤمنين بأخذ الطيبات , و الإنفاق منها , و أكلها من قبل نزول سورة المائدة بكثير , و بالتالي لا يمكن فهم لفظ (اليوم أحل لكم الطيبات ) على أنه إباحة بعد منع في هذا اليوم , وهو يوم عرفة من حجة الوداع

من مقارنة أعمال الحج نجد وجود تحللين , الحل الأصغر ويكون أول أيام العيد صباح العاشر من محرم , بعد رمي جمرة العقبة , و يحل للحاج كل شيء ماعدا النساء
أما التحلل الأكبر فيكون بعد طواف الإفاضة , و يحل له وقتها كل شيء

و الظاهر أو الواجب أن تكون آيات سورة المائدة التي تكلمت عن إباحة الطيبات و النساء معا , مما نزل بعد طواف الإفاضة و انتهاء كل شعائر الحج, حيث تكلمت الآيات عن إباحة المؤمنات كذلك, فهل كان الزواج من المؤمنات محرما قبل نزول هذه الآيات

إذا لفظ أحل لكم هنا يعني إباحة هذه الأشياء بعد منع مؤقت بسبب شعائر الحج , و ما فهمه الفقهاء والمفسرين من أنها تعني الإباحة بعد تحريم ومنع سابق , هو فهم خاطئ , وتفصيلاتهم حول الزواج من أهل الكتاب و أكل طعامهم كلها تفسيرات خاطئة , لا أساس لها من الصحة

ونساء أهل الكتاب و طعامهم وكل ما يتعلق بهم , هي مباحة إباحة أصلية قديمة , ولم تتم إباحتها بسبب هذه الآيات, أي بمعنى أن هذه الأشياء لم تكن ممنوعة و محرمة سابقا , وجاءت هذه الآيات لتبيحها للمؤمنين

وقد ورد في السيرة و الأحاديث زواج النبي و الصحابة من أهل الكتاب قبل هذه نزول هذه الآيات , وكانوا يزورون أهل الكتاب و يأكلون طعامهم ,  وهذا يعني أنهم ارتكبوا محرما حسب فهم الفقهاء و المفسرين لهذه الايات

فحسب قولهم و شرحهم : أن هذه الايات هي التي أباحت نساء أهل الكتاب و طعامهم للمؤمنين , و قبل هذه الآيات كانت هذه الأشياء محرمة و ممنوعة , وهذا فهم سقيم خاطئ يطعن في النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام وفي مسلكهم , حيث أنهم كانوا يأكلون طعام أهل الكتاب و يتزوجون نساءهم قبل هذه الآيات