الاستهزاء بالدين -إيذاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام 1

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
سورة التوبة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
بعض الناس يؤذون النبي و يسمونه بالبخل و التحيز و أنه شخص غير عادل

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
البعض يصف النبي بأنه رجل لا رأي له ولا عقل , و يستمع لكل شخص يحدثه و يصدق قوله

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
وهناك من يحادد الله و رسوله و يحاربهم و ينصب لهم العداوة

من الملاحظ وجود إساءة علنية للنبي أثناء قيامه بتوزيع الصدقات و اتهامه بأوصاف لا تليق به و بجلالة مقامه , و أن الأمر لم يكن سريا , بل كان أمرا علينا

من ملاحظة الآيات نلاحظ الأوامر التي أمر الله بها نبيه للتعامل مع هذه الحالة من الإساءة للنبي بشكل علني

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
ردا على الاساءة للنبي و اتهامه بالتحيز و البخل , نصح الله هؤلاء بأنهم لو رضوا بما قسمه الله على يد نبيه لكان خيرا لهم

قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ردا على اتهام النبي بأنه رجل لا رأي له و أنه يستمع لكل شخص و يصدقه , قال الله أن استماع النبي للناس فيه خير لهم , و أن هؤلاء المتهمين للنبي سيلقون عذابا أليما يوم القيامة

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ
من يحارب الله ورسوله علنا , و يسيء للنبي , فإن مصيره جهنم و العذاب الأليم يوم القيامة

من مراجعة الآيات نستطيع تلمس هوية هؤلاء المسيئين

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا
هؤلاء يتلقون الصدقات من النبي , فمن الواجب أن يكونوا من الناس المؤمنين بالنبي و دعوته

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
لو أن هؤلاء رضوا بقسمة الله ونبيه لهم لكان خيرا لهم , أي بمعنى أنهم أساسا من المؤمنين بالنبي , و الله ينصحهم بموقف أفضل من موقفهم الذي اتخذوه

هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ
ورحمة للذين آمنوا منكم , أي من هؤلاء المسيئين للنبي , أي هو رحمة حتى للمسيئين

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
هؤلاء يحلفون بالله , فهذا يعني كونهم مؤمنين , والله يوجههم لما هو أفضل لهم , وهو الرضى بما قسمه الله على يدي نبيه

في كل الآيات السابقة لم يصف الله هؤلاء المسيئين بالخروج من الدين و أن عليهم تجديد إيمانهم و دخولهم في الإسلام , لأنهم بإساءتهم للنبي قد خرجوا من الملة و الإسلام

في كل الآيات السابقة كان الله يخاطب هؤلاء و ينصحهم و يوجههم لما هو أفضل

حصر الله العقوبة لهؤلاء المسيئين للنبي بيده وحده , ويوم القيامة

لم يطلب الله من نبيه اتخاذ أي إجراء عقابي ضد هؤلاء المسيئين لشخص النبي

هذه الآيات تقرر بوضوح أن العقوبات التي تنص عليها الأحاديث النبوية من وجوب قاتل شاتم الرسول هي كلها أحاديث باطلة لا اصل لها , لأنها تخالف هذه الآيات بشكل واضح

ومن هذه الأحاديث

مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ رواه البخاري

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : “ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا “ رواه أبوداود

حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعط لهما الأمان الذي أعطاه لباقي سكان مكة رغم أن من سكان مكة من كان أشد عداوة وحربا للإسلام .  مغازي الواقدي ، و سيرة ابن هشام

صرح الكثير من الفقهاء بردة شاتم الرسول و مؤذيه , وفي هذه الآيات لم يقل الله عن هؤلاء أو يصفهم بالردة أو الخروج من الملة , بل بالعكس , وصفهم بالإيمان  وأن عليهم فعل أشياء أفضل لدينهم و إيمانهم , وهذ الآيات تنقض هذه الأحكام