البعد الإنساني في القرآن 11

البعد الإنساني في القرآن 11

الحرية الدينية

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿7﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿8﴾ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿9﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿10﴾ الأحقاف

تأملات في الآيات

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ

يعبر الكفار عن آرائهم الدينية في المكان الذي نزلت فيه هذه الآيات بكل حرية, وينتقدون النبي ويقولون عن الحق الذي جاء به أنه سحر مبين

لا حدود للحرية الدينية في المجتمع الذي نزل فيه القرآن, ولا مكان للقمع والاضطهاد الديني

.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

يقول الكفار عن القرآن أنه كلام قد افتراه النبي محمد على الله, والله لم ينزل هذا القرآن

ببالغ الأدب والاحترام يرد النبي على هذا الاتهام: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا, أي إن كنت قد افتريت هذا الكلام على الله, فسألقى جزائي يوم القيامة على هذا الافتراء

يعلم الله نبيه أدب الحوار مع الكفار فيأمره أن يقول: الله هو الحكم بيني وبينكم يوم القيامة, وهو أعلم بأعمالي وأعمالكم, وهو يعلم ما تفعلونه في سركم وعلنكم, فدعونا لا نتجادل كثيرا في هذا الأمر

ومع ذلك فقد ختمت الآية بهذه الجملة: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي أن الله واسع المغفرة للجميع, حتى لمن اتهم النبي بالافتراء على الله ورفض الإيمان بدعوة النبي

.

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

يتابع النبي حواره مع المشركين فيقول: إن أنا إلا مرسل من الله ومهمتي هي تبليغ رسالة الله, ولست نبيا أو رسول متميزا عمن سبقني من الرسل

أنا لا أعلم ما سيفعله الله بي ولا بكم, انا لست بشرا مميزا عنكم, إنما أنا واحد منكم ومثلكم, لكني أختلف عنكم بشيء واحد وهو: ان الله قد أوحى إلي ببغض كلامه

مهمة النبي محمد هي فقط: وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

يتابع النبي حواره الرائع المشبع بالأدب والاحترام والتواضع فيقول: ماذا لو كان اتهامكم لي باطلا, وأن القرآن الذي أتيتكم به هو من عند الله حقا؟ ما هو موقفكم أمام الله

يسأل النبي محمد هؤلاء الكفار فيقول: ألا تقبلون بشهادة بني إسرائيل على ما أتيتكم به أنه الحق من عند الله

يجعل النبي من نفسه شخصا عاديا يمتلك فكرة ما ويقبل بشهادة بني إسرائيل على فكرته, ولم يخاطب هؤلاء الكفرة بعنجهية أو تكبر, مع أنه مؤيد من الله ومرسل من قبله

في هذه الآيات السابقة تظهر شخصية النبي العظيمة وأدبه الجم مع غير المؤمنين, وهذه الآيات يجب أن تكون نبراسا لنا وقدوة نحتذيها لمخاطبة غير المؤمنين