السنة في التعريف الفقهي, هي شارحة للقرآن الكريم , وليست مصدر مستقل للتشريع في الإسلام , لا يربطها أي رابط بالقرآن, فبالتالي, فإنه يجب أن تكون الأحاديث متوافقة مع القرآن , و إلا فهي أحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله, نناقش هنا حديث قتل المرتد

في العلاقة بين القرآن الكريم و الحديث

حديث قتل المرتد نموذجا

قال تعالى
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)
سورة التوبة

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه).

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ
يعلم المنافقون أن دين الإسلام هو الدين الحق ,لذلك تراهم يخافون من تنزل القرآن, لأنه يفضحهم و يفضح سرائرهم

قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ
يحذرهم الله من الاستمرار بالسخرية و الاستهزاء من دين الله , و يتوعدهم الله بالفضيحة و إخراج ما تكنه صدورهم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ
يخبر الله نبيه و يقول : أن هؤلاء يخوضون و يلعبون بدين الله , وهم يعلنون ذلك صراحة , و يؤنبهم الله على سخريتهم و استهزائهم بدين الله

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
يحاول هؤلاء المنافقون المستهزئون بدين الله الاعتذار للنبي و المؤمنين مما بدر منهم , و الله يقول: لا تعذروا فقد كفرتم بعد إيمانكم , وهذا حكم من الله جل لا له , لا ريب في صدقه و حكمه, أن هؤلاء قد كفروا كفرا بواحا لا شك ولا ريب فيه

قد لاحظنا في المقاطع السابقة أن هؤلاء المنافقين , كانوا يسخرون و يلعبون بدين الله , و قد حكم الله جل جلاله بكفرهم العلني البواح
ونحاول الآن متابعة أوامر الله في كيفية التعامل مع حالات الكفر بعد الإيمان

قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ
هذه الآية تحذر المنافقين من التمادي في سخريتهم و كفرهم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ
هذه الآية تتحدث عن مطالبة الله لنبيه و أن يسألهم و يحاورهم , لماذا يستهزئون بدين الله و آياته

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
قد يعفو الله عن بعض هؤلاء المستهزئين الكفرة , ولكنه سيعذب البعض الآخر , ليس بسبب كفرهم , ولكن بسبب إجرامهم , ولم تقل الآية : نعذب طائفة بأنهم كانوا كافرين

نتائج

أولا: لم يأمر الله نبيه بقتل هؤلاء الكفرة المرتدين, الذين صرحت الآيات بكونهم مؤمنين سابقا : لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم, ولم يفرض عليهم أي عقوبة دنيوية

ثانيا: صرحت الآيات بكون هؤلاء يسخرون و يستهزئون بدين الله , و أن هذا مؤدي إلى الكفر , وهم كفرة لا شك و لا ريب في ذلك

ثالثا: قال الله : بأنه قد يعفو عن طائفة من هؤلاء الكفرة , لكنه سيعذب البعض بسبب إجرامهم و ليس بسبب كفرهم

من كل ما سبق نستطيع الجزم , أن الكفر  والردة عن الإسلام , لا عقوبة عليها من الله تعالى في القرآن الكريم , ولم يأمر الله بأي عقوبة , وحتى في الآخرة , فقد يعفو عن بعض هؤلاء, لكنه سيعذب آخرين بسبب إجرامهم و ليس بسبب كفرهم

لذلك فنحن نستطيع القول و الجزم , أن الردة و الكفر بعد الإيمان لا عقوبة عليهما في القرآن الكريم في الحياة الدنيا , و بالتالي: فإن الحديث الذي يتحدث عن قتل الكافر و المرتد هو حديث باطل مكذوب على رسول الله , لأنه يرتب على المرتد و الكافر عقوبة غير موجودة في القرآن , بل و مخالفة للقرآن ومصادمة له

و الحمد لله أولا و آخرا