موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 2

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

أخذ الله ميثاق النصارى أن يبلغوا رسالة الله , لكنهم أهملوا هذه المهمة , فعاقبهم الله على هذا الإهمال أن جعل مجتمعاتهم متخبطة , يعادي بعضهم بعضا

من يهمل القوانين الإلهية التي وضعها الله لهذا الكون , فمصيره التخبط , لأن لهذا الكون قوانين دقيقة , ومن يهمل القوانين و يتجاوزها , فهو الجاني على نفسه

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

الخطاب هنا موجه لأهل الكتاب , و قد يكونوا اليهود أو النصارى

يخبر الله أهل الكتاب أنه قد أرسل رسولا من عنده , ليبين للناس ما أخفاه اليهود و النصارى من كتبهم

هذه الآية تشير إلى أن مهمة النبي هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل , وهذه الآية تشير بوضوح إلى أن هذه الكتب غير محرفة و هي كتب صحيحة غير منسوخة

لا يمكن أن يرسل الله رسوله كي يبين و يشرح كتبا محرفة أو منسوخة

إذا كان القرآن هو الكتاب الذي أنهى التعامل بالتوراة و الإنجيل , فلماذا يخبرنا الله أن مهمة نبيه هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل

لن يقوم النبي محمد عليه الصلاة و السلام بإظهار كل ما أخفاه و فعله رجال الدين , بل سيعطي أمثلة لتهاونهم و تلاعبهم بدين الله , و سيعفو عن كثير من تدليسهم على الناس

قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

يصف الله ما أرسله لليهود و النصارى بأنه نور و كتاب مبين

القول أن التوراة و الإنجيل هي كتب محرفة في زمن النبي هو قول يعارض القرآن , فقد وصف الله هذه الكتب وهو يخاطب اليهود و النصارى : لديكم أيها اليهود و النصارى بين أيديكم نور و كتاب مبين قد أرسلته لكم

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

يتابع الله وصفه للتوراة و الإنجيل و يقول : أن من يتبع هذه الكتب فقد اتبع رضوان الله

هذه الكتب (التوراة و الإنجيل) تخرج الناس من الظلمات إلى النور

تهدي هذه الكتب إلى صراط مسستقيم

بعض النتائج المستخلصة من هذه الآيات

مهمة النبي محمد تبيين مافي التوراة و الإنجيل التي كانت في عصره , و ليست كتبا غير موجودة أو مفقودة

لا يمكن أن تكون التوراة و الإنجيل محرفة ومنسوخة , لأن مهمة النبي شرح و تبيين هذه الكتب.

هذه الكتب نور وهدى من الله

هذه الكتب تهدي إلى صراط مستقيم

يخرج الله بهذه الكتب الناس من الظلمات إلى النور

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 1

القرآن هو الكتاب الأوحد الذي رسم خطوطا عامة و عريضة و دائمة بدوام الله للتعامل مع غير المسلمين , و أوضحها بنصوص واضحة وضوح الشمس , لا تقبل تأويلا ولا تحريفا, هذه نبذة عن التعامل مع غير المسلمين

و الميزة الأساسية للقرآن الكريم هو أنه احتوى كل ما جاءت به الكتب الدينية السابقة , و أضاف عليها أبعادا إنسانية جديدة , وهذه الإضافات للبعد الإنساني في القرآن , جاءت كنتيجة طبيعية , لأن القرآن هو كلمة الله الأخيرة لهذه البشرية

و يجب أن تحتوي هذه الكلمة الأخيرة على كل التوجيهات اللازمة لاستمرار ربط البشرية بالله تعالى

نحاول في هذا المقال القصير تسليط الضوء على علاقة المسلمين بغير المسلمين كما جاء في القرآن, و سنقوم بأخذ نصوص من سورة المائدة , وهذه السورة حسبما يقول المختصون بالعلوم الدينية هي آخر ما نزل على النبي محمد قبل وفاته , وهذا يعني : أن هذا ما استقرت عليه الأمور في نهاية الدعوة إلى الدين الجديد , وهذه هي الطريقة التي يريدها الله في التعامل بين المسلمين وغيرهم

يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ
المائدة 15

يخاطب الله هنا أهل الكتاب (المسيحيين و اليهود) , و يبين لهم أنه قد أرسل لهم النبي محمد , كي يوضح و يبين لهم ما كانوا قد أخفوه من كتبهم عن الناس (التوراة و الإنجيل) , وأن مهمة النبي محمد ليست نقل أهل الكتاب من دينهم إلى الدين الجديد , و إنما أن يشرح و يوضح لهم ما هو موجود في كتبهم فقط , و ختم الله الآية بقوله , أن ما عندهم وما جاءهم من الله (التوراة و الإنجيل) هو نور و هداية من الله

يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ
المائدة 16

يكرر الله و يصف  ما أنزله على أهل الكتاب بأن فيه هداية لمن اتبع ما فيه من أوامر من الله , و أنه الوسيلة التي يخرج الناس بها أنفسهم من الظلمات إلى النور , وما في هذه الكتب المقدسة فيه الهداية إلى كل خير

لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ
المائدة 17

يعلم الله نبيه محمد كيفية التعامل مع غير المسلمين فيقول : قل يا محمد لأهل الكتاب : إذا أراد الله أن يهلك المسيح بن مريم و أمه و الأرض ومن فيها , فهل يستطيع منعه أحد ؟
أو هل يستطيع مقاومته أحد ؟
و الجواب قطعا : لا

لأن الله مالك كل شيء , و يملك حتى عيسى و أمه , وكل من في هذا الكون عبد لله و خاضع لمشيئته

و يناقش النبي محمد هؤلاء الذين يقولون بألوهية عيسى و أمه و يسألهم: هل من المعقول أو المقبول , أن تتركوا عبادة الله الذي يملك كل شيء , و تذهبون لعبادة بشر عاديين ؟

وصف الله من يقول أن عيسى و أمه هم آلهة بأنهم كفار , ونحن نرى أن لفظ الكفر في القرآن يحمل دلالات ومعاني مختلفة عن المعاني المفهومة لدى المسلمين عامة , و سنقوم في مقالات قادمة بتوضيح هذا الخلط و الخطأ في فهم هذه الكلمة

ومع أننا نتحفظ على معنى كلمة ( كفر ) والتي تعني الخروج من دائرة الإيمان إلى نقيضه , فإننا سنعتمد المعنى المتداول للفظ ونحاول متابعة أوامر الله في التعامل مع غير المسلمين في هذه الآيات

وصف الله هؤلاء الذين يقولون أن عيسى و مريم هم آلهة بأنهم كفار , ومع أنهم كفار , لكنهم لم يطلب الله من النبي محمد اتخاذ أي إجراء فيه عنف ضدهم

ناقش الله هؤلاء بكل هدوء و احترام , و أوضح لهم أن عيسى و مريم هم مجرد بشر , و يجب على الناس أن لا يعبدوا بشرا مثلهم

من الواضح أن هؤلاء كانوا يعيشون في المدينة بجوار النبي محمد , وكانوا يعلنون أن عيسى و مريم هم آلهة , و يعيشون بحقوق كاملة و محفوظة , ولا أحد يتعدى عليهم , ولم يأمر الله نبيه بالتعدي عليهم

مدح الله كتب أهل الكتاب (التوراة و الإنجيل) و وصفها بأنها نور و هداية , و أن من أراد النجاح و الفلاح و النجاة في الحياة الآخرة , فعليه اتباع هذه الكتب العظيمة

وظيفة النبي محمد أن يشرح للناس ما في هذه الكتب العظيمة , لأن بعض رجال الدين السيئين قاموا بإخفاء ما في هذه الكتب من نور و هداية من الله

لم يأت النبي لنسف الكتب السابقة (التوراة و الإنجيل) , بل جاء ليحترمها و يقدسها و ينشر ما فيها من نور و هداية

من المؤكد و الواضح أن الله لم يطلب من غير المسلمين ترك دينهم و التحول إلى الإسلام , ولا توجد أي إشارة لهذا الطلب , بل العكس هو الصحيح
فقد طلب الله من غير المسلمين التمسك بدينهم و كتبهم بعد ترك عبادة البشر , وعبادة الله وحده

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. المائدة(45)
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. الجمعة (5)
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) . آل عمران
وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. المائدة (43)
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. القصص (49)
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ. هود (17)
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ. المائدة (66)