البعد الإنساني في القرآن 13

الجانب الإنساني في القرآن 13

الحرية الدينية

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ﴿47﴾ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ﴿48﴾ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴿49﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿50﴾ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴿51﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿52﴾ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿53﴾ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴿54﴾ فصلت

تأملات في الآيات

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ, وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ

يحدثنا الله عن نفسه وأنه عالم وخبير بكل شيء يحدث على هذه الأرض

يوم القيامة يسأل الله المشركين عن الشركاء الذين عبدهم هؤلاء مع الله, وماذا قدموا لهم؟ وهل قدموا لهم المساعدة في هذه الأوقات الحرجة

لا يوجد لدى هؤلاء أي جواب على سؤال الله لهم إلا التسليم لقدرة الله والاعتراف بعظمته وملكه وبالخطأ الذي اقترفوه في الحياة الدنيا

.

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ

يخبرنا الله هنا عن نفسية الإنسان وطبيعته البشرية, وأن الإنسان يحب الخير لنفسه, وأنه سريع النسيان لنعم الله, فإذا أصابته ضراء, وقع في اليأس والقنوط

.

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ, وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ

يتابع الله حديثه عن نفس الإنسان ورغباته ونكرانه السريع لنعم الله

.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

بعد هذا التحليل النفسي لنفسية الإنسان ورغباته وأشواقه, يسأل الله هؤلاء المنكرين للتوحيد والذين يشركون بالله هذا السؤال: ما هو موقفكم يوم القيامة إن كان ما أتى به النبي محمد صادقا

جاءت صيغة السؤال عن طريق التشكيك وليس اليقين, فالله يسأل هؤلاء المنكرين له: إن كان محمد صادقا في دعوته فكيف سيكون موقفكم يوم القيامة

الله يعلم علم اليقين أن محمدا صادق فيم يقول, وأن محمدا مرسل من الله, ومع ذلك فقد قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ

هذا يعني أن الله ترك المجال الحر لهؤلاء كي يفكروا ويناقشوا الأمور, فقد يكون محمد غير متأكد مما أتى به, وصيغة التشكيك هذه في الدعوة تترك المجال والحرية للآخر كي يفكر وهو مرتاح نفسيا وغير مضغوط من الآخر

عندما تدعو الآخر إلى الله وتخبره أن الدعوة حق وعليه أن يتبعها مباشرة, فهذا يشكل ضغطا نفسيا لا يريده الله, فأساس الدعوة إلى الله هو الاختيار الحر الناتج عن تفكير حر بدون أي ضغوط

.

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

يعلمنا الله هنا درسا في التعامل مع الآخرين المختلفين عنا دينيا فيقول: سأري هؤلاء المنكرين لي الحقائق على الدوام, وسيرون في كل مكان ما يشير إلي وإلى خلقي وعظمتي

يخبرنا الله أنه صبور ولا يمل, وسيبقى يبين لهؤلاء المنكرين المعرضين عنه آياته في كل مكان حتى يقتنعوا ويؤمنوا

وهذا منهج رباني في التعامل مع الآخر: على المؤمن أن يكون صبورا ويبين للناس الحقائق المتعلقة برب العالمين دون كلل أو ملل, حتى يتعظ هؤلاء ويميلون باتجاه الحق

لا يوجد طريق آخر لجلب الناس إلى طريق الحق سوى الصبر والبيان والتبيين والكلمة الحسنى

.

أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ

يخبرنا الله عن نفسية هؤلاء ودخيلة نفوسهم, وأنهم مرتابون مترددون

على المؤمن أن يكون صبورا ولا يستعجل على هؤلاء الناس, لأن في صدورهم شك وريبة من لقاء الله يوم القيامة

البعد الإنساني في القرآن 10

البعد الإنساني في القرآن 10

الحرية الدينية

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴿47﴾ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴿48﴾ الشورى

تأملات في الآيات

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ

خاطب الله غير المؤمنين به بلفظ: استجيبوا لربكم, مع أنهم لا يؤمنون به, لكنه قد خلقهم ورزقهم من كل شيء ونسبهم لنفسه فقال: ربكم

الله رب كل شيء, ورب كل إنسان سواء آمن بالله أم كفر

يخوف الله غير المؤمنين به من العاقبة يوم القيامة, ولم يوجب عليهم أي عقوبة دنيوية على يد نبيه والمؤمنين

.

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ

يخاطب الله نبيه فيقول: إن مهمتك التبليغ لرسالتنا, فإن أعرضوا عنها فقد انتهت مهمتك عند هذا الحد

من آمن فليؤمن, ومن رفض فليرفض, ومهمة النبي التبليغ لرسالة الله فقط, والله وحده يحاسب الجميع يوم القيامة

نتائج

يعلمنا الله في هذه الآيات أدب الحوار مع غير المؤمنين بالله

مهمة النبي والمؤمنين على وجه هذه الأرض تبليغ رسالة الله فقط

الحرية الدينية مكفولة للجميع في القرآن, للمؤمن ولغير المؤمن, والحساب يكون القيامة

تظهر لنا هذه الآيات أن غير المؤمنين كانوا يناقشون أفكارهم بكل حرية في زمن النبي, ويعارضون النبي بأفكاره ويرفضونها, ولم يرد في القرآن أي حجر على حرية التعبير هذه

1البعد الإنساني في القرآن

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿15﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿16﴾ الأحقاف

الخطاب هنا في هذه الآيات موجه للناس جميعهم بلا استثناء, ولم يرد بصيغة: ووصينا الإنسان المسلم

يوصي الله الناس جميعهم ببر والديهم والإحسان إليهم, ويذكرهم بالمشاق التي يتحملها الوالدين في سبيل تربية الأولاد والاعتناء بهم

بعد أن يكبر الإنسان ويصبح بالغا عاقلا راشدا, فعليه أن يشكر الله على نعمه, وإحدى هذه النعم: نعمة الوالدين الصالحين الذين تعبا في تربية هذا الولد

على الإنسان أن يعمل صالحا ويسعى لتنشئة جيل صالح كما فعل والديه معه في السابق

وضحنا في مقالات سابقة معنى لفظ الإسلام في القرآن, وأنه يعني الاستسلام لله وتسليم كل شيء له والاعتماد عليه, ونورد هنا بعض الآيات التي توضح هذا المعنى

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿127﴾ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿128﴾ البقرة

يدعو إبراهيم وإسماعيل هنا ربهما أن يجعلهما مسلمين, ولفظ مسلم هنا لا تعني الانتماء لدين الإسلام الذي أتى به النبي محمد, بل تعني: أن يجعل الله إبراهيم وإسماعيل من المستسلمين لله وحده والمخلصين في عبادته, راجع معنى لفظ الإسلام هنا في تفسير الطبري

الإنسان الذي يشكر نعم الله عليه ويدعو لوالديه ويدعو الله أن يجعله من المخلصين المستسلمين له, هو شخص نال رضى الله ومحبته, بغض النظر عن دينه وطائفته ومذهبه

قال تعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ

يتقبل الله من هؤلاء البارين أعمالهم الحسنة ويتجاوز عن سيئاتهم ويدخلهم الجنة بحسن معاملتهم لآبائهم وبرهم لهم وسعيهم لنقل هذه التجربة للأجيال القادمة

لا يشترط الله هنا أي انتماء لأي مذهب أو دين معين, ولم يخاطب طائفة بعينها, بل خاطب البشرية جمعاء, كل من يفعل ذلك و يكون من المستسلمين لله, فله حسن الجزاء والعفو عن الذنوب