الكثير من الأحاديث المنسوبة للنبي تخالف القرآن صراحة , وهذا خلل خطير أدى لتسرب ماهو بشري إلى الإسلام, نحاول هنا تسليط الضوء على بعضها,حديث تغيير المنكر نموذجا

عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ رواه مسلم

قال تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
سورة المائدة

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا)
هنا سخرية علنية من شعائر الدين

(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا)
وهنا كذلك سخرية علنية من شعائر الدين

(هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ)
حقد و نقمة على المؤمنين بشكل علني

(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)
نفاق و سخرية من الدين

(وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ)
أناس فاسدون و ينشرون الفساد و أكل المال الحرام و الاعتداء على الناس

(لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ )
أرباب الشعائر الدينية لا يفعلون أي شيء تجاه ما يفعله رعاياهم و أتباعهم من فساد ديني و اجتماعي.

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)
إساءة علنية دينية لله جل جلاله و وصفه بما لا يليق به ضمن المجتمع الإسلامي و بحضور النبي محمد.

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا)
القرآن و الخير الذي ينزل من السماء على النبي محمد لا يزيد هؤلاء إلا تمردا و فسادا.

(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ )
يسعون للحرب و يشعلونها لأن الفساد عميق في نفوسهم

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا)
و عملهم الأساسي نشر الفساد في المجتمعات

لقد تضمنت الآيات السابقة المفاسد التالية التي كانت في المدينة المنورة في زمن النبي

فساد ديني يتضمن السخرية العلنية من كل ما يمت للدين بصلة , من وصف الله بما لا يليق , و السخرية من الصلوات و شعائرها , وغير ذلك

فساد اجتماعي يتضمن : إشعال الحروب , و أكل المال الحرام و نشر الفساد في كل مكان و زمان , والنفاق الاجتماعي , و إظهار الإيمان و إبطان الفساد و الشك

من العودة إلى الآيات مرة أخرى نجد الأوامر التي أمر الله بها نبيه لمواجهة هذه الأفعال:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا)
أمر الله المؤمنين باعتزال هؤلاء الساخرين المستهزئين بدين الله

(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
أمر الله المؤمنين بالتقوى تجاه هذه الأفعال

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّه)
أمر الله المؤمنين أن يناقشوا هؤلاء الساخرين المستهزئين بهدوء

(وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)
وصف الله هؤلاء المستهزئين بأنهم فاسقون

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ )
هؤلاء المستهزئين لن يجدوا عند الله يوم القيامة ما يسرهم

(أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)
يوم القيامة سيندم هؤلاء الساخرين كثيرا

(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ)
الله وحده يعلم ما تكنه صدور هؤلاء وما يخفونه

(وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وصف الله فعل هؤلاء من أكل المال الحرام و المسارعة في الإثم بأنه من أسوأ الأعمال

(لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
تقصير أرباب الشعائر الدينية في أداء أعمالهم هو صنيع سيء جدا.

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ)
لعن الله من يقول أن يد الله مغلولة

(وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ )
الله وحده يعاقب هؤلاء المستهزئين , ولذلك جعل بأسهم بينهم

(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ )
الله وحده يفشل كل مشاريع الفساد التي يخطط لها هؤلاء

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
يعلمنا الله أنه لا يحب الفاسدين

من كل ما سبق نجد أن الله علمنا كيفية التعامل مع هؤلاء المستهزئين ووضع لنا ردود الأفعال التالية , مع التأكيد على أن الآيات السابقة هي من سورة المائدة , وهي مدنية و آخر سورة نزلت على النبي بالإجماع

أولا: توكيل الأمر إلى الله , وأن الله وحده هو الذي يتوكل بمتابعة أعمال هؤلاء و إبطالها

ثانيا: محاورة المستهزئين بالحسنى ,و محاولة إقناعهم بالحسنى أن هذه الأمور لا تصب في صالح الجميع

ثالثا: لم يأمر الله في كل الآيات السابقة بعمل أي شيء أو اتخاذ أي إجراء عقابي ضد هؤلاء , وحصر معاقبة هؤلاء في الدنيا و الآخرة بيده هو وحده

أخيرا

هذه الآيات أسست لمبدأ اللاعنف في القرآن , وعدم التدخل بشؤون الآخرين , وأن الدين هو علاقة مع الله , وأن واجب النبي و المؤمنين لا يتعدى النصح و الوعظ و الإرشاد , ولا مكان للبشر أن يحاسبوا الآخرين على اعتقاداتهم و أفعالهم , وحتى النبي نفسه فمهمته لا تتعدى النصح و الإرشاد

لا يوجد في الآيات أمر للنبي ولا للمؤمنين بتغيير هذه المنكرات باليد أو بالقول, وإنما فقط الحوار والنقاش , و النقاش و الحوار مختلف بشكل كبير عن تغيير المنكر , فالتغيير يعني إنهاء المنكر بالقول , لكن الآيات هنا لم تأمر المؤمنين بتغيير هذه المنكرات , و اكتفت بالنصح فقط

لاشك في ان هذه الآيات تناقض بشكل قاطع الحديث الذي يأمر بتغيير المنكر وعدم إقراره في المجتمعات المسلمة , ونستطيع الجزم أن هذا الحديث هو حديث باطل لأنه يخالف القرآن بشكل كامل