يحتوي القرآن على مساحة حرية واسعة للناس بكافة أطيافهم و أديانهم , و إلصاق تهمة العنف في القرآن هي تهمة باطلة يجب دحضها من خلال القرآن وحده , و تبيان أن ما الأحاديث الباطلة هي مصدر العنف

في العلاقة بين القرآن و الحديث النبوي

أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ.

رواه البخاري

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
سورة المائدة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نلاحظ ما يلي

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
الحديث في هذه الآيات عن بني إسرائيل .

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
تشير الآية هنا إلى نقض الميثاق و تحريف كلام الله التوراة

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا
هنا يشير إلى وجود هؤلاء في المدينة المنورة , و احتكاك النبي معهم بشكل مباشر , بحيث أنه يطلع على أفعالهم و نقضهم للعهود و نشرهم الفساد , و من المؤكد هنا أن الكلام عن مجموعات كبيرة و ليس عن أفراد , فالكلام بداية عن بني إسرائيل , و تتابع الآيات يشير إلى نقض جماعي ومخالفات

لا بد هنا من التذكير أن سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن على النبي وقبل وفاته بأشهر , بإجماع كل علماء القرآن , هي و سورة إذا جاء نصر الله

كون السورة هي آخر ما نزل من القرآن , فهذا يشير إلى وجود بني إسرائيل في المدينة بشكل جماعي و كبير قبل وفاة النبي , وكان لهم كيانهم و حضورهم , وحتى فسادهم و نقضهم للعهود و المواثيق مع الله , وكانوا لا يخشون وجود قوة ما تحاسبهم , ولو كانوا أفرادا معدودين , لما تجرأ هؤلاء على هذه الأفعال , من أمثال (لا تزال تطلع على خائنة ) , وهذا الفعل لا يفعله إلا مجموعات لا تخشى المحاسبة و تفعل ما تريد , أو على الأقل مجموعة لها وزنها في المجتمع , أما الفرد الوحيد أو الأفراد المعدودين , فعموما يلتزمون الصمت و لا يأتون بأي فعل يجعلهم عرضة للطرد من المجتمع لكونهم ضعفاء و أفراد معدودين

لننظر ماذا أمر الله تجاه بني إسرائيل هؤلاء, الناقضين للمواثيق و الخائنين

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
طلب الله من نبيه أن يعفو عنهم و يصفح , و شجعه على ذلك بأن الله يحب المحسنين

يعتبر الفقهاء و المفسرين , اليهود والمسيحيين كفرة لأنهم لم يؤمنوا بالنبي محمد و القرآن , لكننا من التحليلات السابقة نستطيع استنتاج بعض الملاحظات التالية

لو صح حديث أمرت أن اقاتل , فمن الواجب على النبي أن يقاتل هؤلاء , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , لكنه لم يفعل

احتوت المدينة المنورة على أعداد كبيرة من بني إسرائيل بأعداد لها وزنها وليس أفرادا كما ورد في كتب السيرة و الحديث .

لم تأمر الآيات هنا بقتل بني إسرائيل و طردهم من المدينة رغم اطلاع النبي على خائنة منهم , و رغم كونهم (كفرة) حسب التصنيف الفقهي عند الفقهاء . بل أمرته أن يعفو عنهم و يصفح

نعيد ونذكر أن سورة المائدة نزلت في حجة الوداع كاملة , وهذا يعني أن هذه السورة نزلت قبل وفاة النبي بأشهر, وهو ما يوافق إجماع كل علماء القرآن بأن المائدة هي آخر ما نزل من القرآن.

الكلام عن قتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , هو حديث تنقضه هذه الآية , فالآية أمرت بالعفو و الصفح , رغم كون اليهود والنصارى (كفرة ) حسب التصنيف الفقهي , و رغم كونهم خونة وناقضين للميثاق , وكانوا يعيشون في المدينة ومع المؤمنين في المدينة المنورة بسلام

مجتمع المدينة المنورة كان مجتمعا منفتحا و فيه تعايش بين الجميع , و الكلام عن كون مجتمع المدينة هو مجتمع من لون واحد و دين واحد مع وجود أفراد قلائل من مجموعات أخرى هو كلام عار عن الصحة , تنقضه بدون شك هذه الآيات

تؤكد الآيات كون النبي مبلغ ومبشر و نذير , وليس حاكما مطلقا له دولة , يحاسب الناس على أفكارهم و معتقداتهم و يأمرهم باتباع دينه بالقوة

مجتمع المدينة المنورة كان مجتمعا حرا , فيه كل الديانات , وحتى التشكيك في الدين و الطعن فيه لم يكن من الممنوعات

نستطيع الجزم من خلال هذه الآيات أن هذا الحديث (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) , هو حديث موضوع باطل لا أصل له , لأنه يخالف القرآن