البعد الإنساني في القرآن 15

الاعتراف بالآخر وخصوصيته

.

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿23﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿24﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿25﴾ السجدة

تأملات في الآيات

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿23﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ

يحدثنا الله هنا عن موسى وبني إسرائيل, وفي هذا الحديث نجد إشارات المديح والثناء لبني إسرائيل أي اليهود

فقد آتاهم الله التوراة هدى ونور فضلا منه عليهم, وقد جعل منهم أئمة يهدون بأمر الله

وصف الله بعض أئمة بني إسرائيل بالصبر والهداية

يعلمنا الله هنا الاعتراف بفضائل الآخرين المختلفين عنا وذكر حسناتهم, والتغافل عن سيئاتهم

.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

اختلف بنو إسرائيل فيما بينهم حول أمور دينية كثيرة وهو ما توضحه هذه الآية

يخبرنا الله أن نتجاوز هذه الأمور ولا نتدخل بها, فالله وحده هو الذي سيفصل في هذه الأمور يوم القيامة

في هذه الآيات بيان واضح من الله إلى الذين يتدخلون بالأمور الدينية الخاصة بالأديان الأخرى, وتحذير من الولوج في هذا الباب, فالفصل بين الأمم والخلافات الدينية هو من اختصاص الله وحده, ومن يتدخل في هذه الأمور فهو يتعدى على حدود الله

الجانب الإنساني في القرآن 3

البعد الإنساني في القرآن 3

الحرية الدينية

.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿17﴾ الحج

تأملات في الآيات

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

المؤمنون هم فرقة من فرق كثيرة موجودة على هذه الأرض

قرن الله المؤمنين في هذه الآيات مع غيرهم من الفرق, وجعلهم فرقة من الفرق لا فضل لها على غيرها, وأن الجميع هم عباد لله

الله يفصل بين جميع هذه الفرق يوم القيامة, ولا يحق لأحد في هذه الحياة الدنيا الفصل بين هذه الأديان

حتى المشركين بالله اعتبرهم الله فرقة من الفرق وأرجع أمرهم لله تعالى وحده

على المؤمنين التزام حدودهم ومعرفة أن الحكم والفصل بين الفرق وأيها أفضل عند الله هو من اختصاص الله تعالى وحده يوم القيامة

يقرر الله في هذه الآيات مبادئ الاحترام المتبادل بين الأديان كافة حتى المشركين بالله, وأنه على المؤمنين احترام هذا التنوع, وترك محاسبة الناس على أديانها لله تعالى وحده

المؤمنون الذين يعتبرون أنفسهم فرقة فوق الفرق هم مخالفون لهذه الآيات, فالمؤمنون حسب هذه الآيات هم فئة من خلق الله, لا فضل لها على غيرها

التنوع الديني مشيئة إلهية على هذه الأرض, وعلى المؤمنين احترام هذه المشيئة الربانية والوقوف على حدود الأدب مع الله تعالى

هل الجنة مكان مخصص للمسلمين فقط 2

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿110﴾ آل عمران

يخبرنا الله عن حال أهل الكتاب, ويقصد بهم اليهود والنصارى

ينقسم اليهود والنصارى إلى قسمين: أناس مؤمنون وأناس فاسقون

 وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ: لفظ الإيمان هنا يشير إلى معنى الالتزام الديني وتطبيق الشرائع الخاصة بهم والمذكورة في التوراة والإنجيل

لفظ:( وَلَوْ آمَنَ) لا يمكن أن يحمل معنى الاعتقاد الديني والدخول في الإسلام, لأن الله ذكر لنا أن من أهل الكتاب أناس مؤمنون صالحون ومنهم أناس فاسقون, أي عاصون مخالفون لأوامر الله

معنى الآية
كنتم أيها المؤمنون خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر, ولو اتقى أهل الكتاب والتزموا الأوامر الدينية, وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر, لكان خيرا لهم, لكن الأتقياء الصالحون ضمن أهل الكتاب قلائل, والكثير منهم عصاة مخالفون

عندما يدخل في الإسلام عبدة الأصنام أو اليهود أو المسيحيون أو غيرهم يصبح اسمهم مسلمون مؤمنون, ويخاطبهم الله بلفظ يا أيها الذين آمنوا

أثبتت الآية بلا شك وجود مؤمنين ضمن أهل الكتاب, وسماهم الله تعالى مؤمنين

عندما يخاطب الله أهل الكتاب فهو يخاطب ويصف أناسا غير مسلمين

قوله تعالى: ولو آمن أهل الكتاب, وأن منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون, فالكلام قطعا عن أهل الكتاب وليس عن المسلمين

وجود مؤمنين ضمن أهل الكتاب يثبت دخولهم الجنة عندما يعملون الصالحات وينهون عن المنكرات

الآية تشير بدون شك لكون الجنة مكانا غير مخصصا للمسلمين فقط, وأن أهل الكتاب يدخلون كذلك الجنة

هل الجنة هي مكان مخصص للمسلمين فقط 1

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿113﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿114﴾ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿115﴾
سورة آل عمران

تأملات في الآيات

لَيْسُوا سَوَاءً ۗ
يقول الله هنا : أن هناك فرق كبير بين طائفتين من أهل الكتاب , وهم ليسوا سواء.

مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
بعض أهل الكتاب , و يجب التنبه على أن الكلام هنا هو عن أهل الكتاب , وليس عن المؤمنين برسالة الإسلام , فبعضهم قائمون مصلون ساجدون لله .

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ

و تصف هذه الآية بعض أعمالهم , فهم يؤمنون بالله و اليوم الآخر , ولم تذكر الآية إيمانهم بالنبي محمد , و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات , وهؤلاء قطعا من الصالحين.

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ

و يذكر الله هؤلاء , أن كل خير يفعلوه فسيجزيهم به الله خير الجزاء.

سورة آل عمران هي سورة مدنية , وهي تحكي العلاقة مع أهل الكتاب في المدينة المنورة زمن النبي.

أظهرت الآيات عدة أشياء , ومنها:

دخول الجنة هو عمل مرتبط بعمل الخير , و لا يوجد أي ارتباط , بين دخول الجنة أو اتباع دين معين.

الإسلام يحترم الأديان الأخرى وكتبها و عقائدها , ولا يتدخل بتفاصيلها .

الكلام عن نسخ الإسلام للأديان السابقة , ووجوب دخول الجميع في دين الإسلام هو كلام عار عن الصحة و تناقضه هذه الآيات .

الاستهزاء بالدين – إيذاء النبي محمد عليه الصلاة و السلام 2

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

سورة الأحزاب

تأملات في الآيات

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

هناك أناس يؤذون الله , بنسبة الأشياء السيئة له أو بألفاظ سيئة , وهناك أناس يؤذون رسول الله , بالتعرض لشخصه الكريم أو التعرض لحرماته أو تصويره بطريقة غير جيدة , كما حصل مع بعض المجلات العالمية

بعض الأشخاص يسيؤون أيضا لله و لرسوله , و ذلك عن طريق عرض الإسلام بطريقة سيئة جدا , تجعل الآخرين ينفرون منه و يسبون الله و الرسول و النبي وهذا الدين , وهؤلاء الأشخاص هم كذلك من جملة المقصودين

من يعرض الإسلام بطريقة سيئة هم ممن يؤذون رسول الله , و من الأفضل للمسلم أن يبتعد عن هذا الطريق , وهو محاولة توصيل الإسلام أو تبليغه , وهو لا يعلم منه إلا القشور . فهؤلاء خطر على أنفسهم أولا , لأنهم يدخلون في زمرة الذين يؤذون الله و رسوله
وهؤلاء خطر على الجماعة المسلمة, فأن تعرف من الإسلام بعض الأشياء وتجهل الكثير و تحاول التصدر لقضية الدعوة , فهذا مطب عظيم يقع فيه الكثير من المسلمين و يؤذي أكثر مما يفيد

من الملاحظ أن الله جعل عقوبة إيذاء الله و رسوله اللعن في الدنيا و الآخرة و العذاب الشديد

لم يرتب الله على إيذاء الله و رسوله أي عقوبة دنيوية أو حكم شرعي

الأحاديث التي تتحدث عن قتل شاتم الرسول هي أحاديث باطلة لا أصل لها , لأنها تعارض هذه الآيات , ولو كان إيذاء النبي يخرج من الدين و يترتب عليه عقوبة لذكرها الله هنا و أمر نبيه أن يطبقها

الله وحده هو المختص بعقوبة الناس الذين يؤذون رسول الله

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

يتوعد الله الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات و يتهددهم , و أن ما يفعلونه من أذى هو بهتان و إثم , ومن يقترف البهتان و الإثم فلا مكان له بين الصالحين

هنا تهديد عام بعدم إيذاء أي شخص مؤمن , بغض النظر عن التزامه الديني , إن كان ملتزما أو غير ذلك

بعض الإخوة يرى في إيذاء بعض المؤمنات لعدم التزامهم بالحجاب أمرا طبيعيا , وهذا يدخل في الإيذاء المنهي عنه , فالمرأة التي لم تلبس الحجاب لم تخرج من الإيمان , بل هي مؤمنة و التعرض لها فيه خطر عظيم .

بعض الإخوة كذلك لا يرى بأسا في إيذاء السكارى أو المدمنين أو المذنبين أو تاركي الشعائر الدينية , وهؤلاء كلهم داخلون في مسمى الإيمان , و التعرض لهؤلاء و إيذائهم فيه خطر عظيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

لاحظنا في الآيات السابقة أن هناك حملة ممنهجة ضمن مجتمع المدينة المنورة تضمنت

إيذاء الله و رسوله

إيذاء المؤمنين و المؤمنات

و يجب أن نعلم أن هذا الإيذاء كان يحصل بشكل واسع في زمن النبي , ولقد وردت هنا ثلاث آيات تتكلم بشكل واضح عن حملة إيذاء ممنهجة

في كل زمان و مكان يوجد أناس لا يقيمون أي وزن للشعائر الدينية , حتى في زمن النبي محمد و في دولته و مدينته , و التشدد الموجود في الفقه الإسلامي و في الأحاديث المنسوبة للنبي حيال قضية الإيذاء هو تشدد ليس من الإسلام بأي شكل من الأشكال

الإسلام لا يحجر على الناس طريقة اعتقادهم و تفكيرهم و حتى التعبير عن آرائهم , حتى إن كانت ضد الدين , وكان فيها إيذاء لله و لرسوله و للمؤمنين و للدين

الإسلام لا يجبر أحدا على احترام الدين أو احترام الله و الرسول و القرآن وكل ما يتعلق بشعائر الإسلام , وكل ماهو موجود في كتب الفقه و الأحاديث مما يخالف الحرية المطلقة هنا في التعبيرعن الرأي, يعتبر باطل لا أصل له و ليس له أي صلة بالإسلام

إجبار الناس على احترام شعائر الدين و إظهار الشعائر الدينية و إخفاء ما غيرها هو شيء لا أصل له في الإسلام , و الأحاديث التي تتكلم عن ضرورة تغيير المنكرات و وجوب صبغ المجتمع ظاهريا بصبغة إسلامية , هي أحاديث قطعا باطلة وتخالف الإسلام , ففي زمن النبي و في دولته و في مدينته , كان هناك مستهزئون علنا , ولم يعاقب الله أحدا منهم في الدنيا ولم يأمر بعقوبته

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 7

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

طلبت الآية من اليهود و النصارى التوبة و الخضوع لله و الامتثال لأوامره , وهم إن فعلوا ذلك فسيدخلون الجنة حتما

لم تطلب الآية من اليهود و النصارى التحول للإسلام حتى يدخلوا الجنة

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ

تؤكد هذه الآية المعنى السابق وهو التقوى و الخضوع لله و التوبة له , و ليس التحول إلى الإسلام

إن التزم اليهود و النصارى بكتبهم الدينية المنزلة إليهم من ربهم فستصبح حياتهم نعيما لا نهاية له

تصف الآية أن الكثير من اليهود و النصارى متفلتون و غير ملتزمين دينيا , لكن هناك صالحون منهم و أتقياء

من مجمل الايات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

أثبت الآيات صحة التوراة و الإنجيل و عدم وجود تحريف أو نسخ فيهما

طالبت الآيات اليهود و النصارى بالتزام دينهم , ولم تطلب منهم التحول إلى الإسلام

لم تطلب الايات من اليهود و النصارى اتباع القرآن , بل طالبتهم بالتزام كتبهم , و الله لا يطلب من الناس التزام كتب محرفة أو كتب غير موجودة بنسختها الأصلية التي أنزلها الله

التزام الشخص بتعاليم دينه أيا كان دينه هو الشيء الوحيد المطلوب كي يدخل الجنة و يعيش حياة طيبة حسب الآيات

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 5

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)

سورة المائدة

تأملات في الآيات

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

يطلب الله من نبيه أن لا يحزن لكفر البعض من المؤمنين , و نلاحظ أن الله لم يأمر نبيه أن يقتل هؤلاء الكفرة المرتدين , بل طالبه أن لا يحزن فقط

و يطلب منه أن لا يحزن كذلك بسبب أخذ بعض اليهود لتعاليم دينهم كما يشاؤون , فيطبقون ما يعجبهم , و يتركون مالا يعجبهم

 سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

هؤلاء اليهود المتلاعبين بالدين كما يعجبهم , يأكلون المال الحرام , ومع ذلك , فلو جاؤوا إلى النبي و طلبوا منه أن يحكم بينهم في خلافاتهم , فالنبي مخير في الحكم بينهم أو ترك ذلك

ويخبر الله نبيه أن هؤلاء اليهود لن يستطيعوا إحداث ضرر بالنبي , لكنه إن حكم بينهم فعليه أن يحكم بالحق و العدل , ولو كانوا أناسا غير جيدين

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

ومن الغريب أن يأتي هؤلاء إلى النبي و يطلبوا منه الحكم بينهم , مع أن التوراة موجودة بين أيديهم

وصف الله التوراة التي بين أيدي اليهود في زمنه النبي أن فيها حكم الله , ولم يقل أنها محرفة أو منسوخة و لا يجب العمل بها

ومع وجود التوراة كتاب الله العظيم بينهم , تجدهم يعرضون عنها , و تصف الاية هؤلاء أنهم غير مؤمنين

من يملك التوراة ولا يحتكم إليها فهو غير مؤمن (و الكلام هنا عن اليهود)

 إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

يخبر الله نبيه و المؤمنين أنه قد أنزل التوراة , و أنها هدى ونور منه , ومهمة النبيين والربانيين أن يحكموا بها بين اليهود , ومن المعلوم أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو نبي , ومهمة نبينا محمد أن يحكم بين اليهود بالتوراة

التوراة كتاب غير محرف ولا منسوخ حسب هذه الآية , ولو كانت كذلك , فكيف سيحكم النبي محمد و غيره من الأنبياء بكتاب منسوخ و محرف

بكلام واضح و صريح يقرر الله , أن من لم يحكم بالتوراة فهو كافر

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

يورد الله بعض ماحكم به في التوراة من أحكام و ينهي الآية بقوله تعالى :ومن لم يحكم بالتوراة فهو من الظالمين

من مجمل الايات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
في التوراة التي كانت في زمن النبي حكم الله تعالى

ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
من يرفض من اليهود حكم الله الموجود في التوراة فهو من الكافرين

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ
أنزل الله التوراة وفيها هدى ونور

يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
مهمة الأنبياء ومنهم النبي محمد و الربانيين و الأحبار الحكم بالتوراة.

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
من لم يحكم ولم يقبل بحكم الله الموجود في التوراة فهو كافر.

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
من لم يحكم بما أنزل الله (بالتوراة) فهو ظالم

التوراة في زمن النبي لم تكن كتاب محرفا ولا منسوخا

القول بتحريف القرآن هو قول يهارض و يناقض القرآن

لم يطلب الله من اليهود ترك دينهم و الدخول في الإسلام , ولم يطلب منهم ترك الاحتكام للتوراة و اتباع بالقرآن

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 2

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

سورة المائدة

تأملات في الآيات

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

أخذ الله ميثاق النصارى أن يبلغوا رسالة الله , لكنهم أهملوا هذه المهمة , فعاقبهم الله على هذا الإهمال أن جعل مجتمعاتهم متخبطة , يعادي بعضهم بعضا

من يهمل القوانين الإلهية التي وضعها الله لهذا الكون , فمصيره التخبط , لأن لهذا الكون قوانين دقيقة , ومن يهمل القوانين و يتجاوزها , فهو الجاني على نفسه

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

الخطاب هنا موجه لأهل الكتاب , و قد يكونوا اليهود أو النصارى

يخبر الله أهل الكتاب أنه قد أرسل رسولا من عنده , ليبين للناس ما أخفاه اليهود و النصارى من كتبهم

هذه الآية تشير إلى أن مهمة النبي هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل , وهذه الآية تشير بوضوح إلى أن هذه الكتب غير محرفة و هي كتب صحيحة غير منسوخة

لا يمكن أن يرسل الله رسوله كي يبين و يشرح كتبا محرفة أو منسوخة

إذا كان القرآن هو الكتاب الذي أنهى التعامل بالتوراة و الإنجيل , فلماذا يخبرنا الله أن مهمة نبيه هي تبيين مافي التوراة و الإنجيل

لن يقوم النبي محمد عليه الصلاة و السلام بإظهار كل ما أخفاه و فعله رجال الدين , بل سيعطي أمثلة لتهاونهم و تلاعبهم بدين الله , و سيعفو عن كثير من تدليسهم على الناس

قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

يصف الله ما أرسله لليهود و النصارى بأنه نور و كتاب مبين

القول أن التوراة و الإنجيل هي كتب محرفة في زمن النبي هو قول يعارض القرآن , فقد وصف الله هذه الكتب وهو يخاطب اليهود و النصارى : لديكم أيها اليهود و النصارى بين أيديكم نور و كتاب مبين قد أرسلته لكم

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

يتابع الله وصفه للتوراة و الإنجيل و يقول : أن من يتبع هذه الكتب فقد اتبع رضوان الله

هذه الكتب (التوراة و الإنجيل) تخرج الناس من الظلمات إلى النور

تهدي هذه الكتب إلى صراط مسستقيم

بعض النتائج المستخلصة من هذه الآيات

مهمة النبي محمد تبيين مافي التوراة و الإنجيل التي كانت في عصره , و ليست كتبا غير موجودة أو مفقودة

لا يمكن أن تكون التوراة و الإنجيل محرفة ومنسوخة , لأن مهمة النبي شرح و تبيين هذه الكتب.

هذه الكتب نور وهدى من الله

هذه الكتب تهدي إلى صراط مستقيم

يخرج الله بهذه الكتب الناس من الظلمات إلى النور

موقف القرآن من التوراة و الإنجيل 1

إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ

سورة آل عمران

تفسير الطبري

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
وهي التوراة التي أنـزلت على موسى، كانت فيهم من عهد موسى

.

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
لأن عيسى صلوات الله عليه، كان مؤمنًا بالتوراة مقرًا بها، وأنها من عند الله. وكذلك الأنبياء كلهم، يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعضُ شرائع أحكامهم، لمخالفة الله بينهم في ذلك. مع أنّ عيسى كان – فيما بلغنا – عاملا بالتوراة لم يخالف شيئًا من أحكامها، إلا ما خفَّف الله عن أهلها في الإنجيل، مما كان مشددًا عليهم فيها
انتهى تفسير الطبري

.

تأملات في الآيات

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
علم الله عيسى التوراة  التي كانت موجودة في بني إسرائيل , وهذا يشير إلى كون التوراة في زمن عيسى لم تكن محرفة و لا منسوخة, ولو كانت التوراة منسوخة أو محرفة فلماذا يعلم الله نبيه كتاب منسوخا أو محرفا

مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
عيسى كان مصدقا للتوراة و عاملا بها , ومعترفا بأحكامها , ولفظ ما بين يدي من التوراة يشير للتوراة التي كانت منتشرة في زمنه
مهمة عيسى وكتابه الإنجيل هي تخفيف بعض الأحكام الواردة في التوراة , و تحليل بعض الأشياء المحرمة فيها , وليس نسخها

نستطيع الجزم من خلال هذه الآيات أن التوراة في زمن نبي الله عيسى لم تكن محرفة ولا منسوخة بسبب نزول الإنجيل

العلاقة مع غير المسلمين في القرآن 4

تحتاج كتب الفقه و التفسير إلى إعادة نظر و تدقيق , لأن معظم مافيها هو تحريف واضح لكلام الله , وهنا نعرض جزءا بسيطا من التحريف الظاهر لكلام الله لأجل مصالح مادية أو سياسية أو غير ذلك- العلاقة مع غير المسلمين في القرآن- المسيحيين نموذجا

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴿46﴾ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
سورة المائدة

تتكلم هذه الآيات المباركات عن العلاقة مع غير المسلمين – المسيحيين – و سنحاول هنا تتبع أوامر الله في كيفية التعامل معهم

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

ارسل الله نبيه عيسى ليصدق ما جاء في التوراة , و ليؤكد على عظمتها , و قد آتاه الله الإنجيل كذلك , و الإنجيل هو كلام الله و هو هدى ونور ,  وكل تعاليم الإنجيل هي تأكيد على حرمة و عظمة التوراة

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ

يأمر الله في القرآن المسيحيين أن يلتزموا أوامر الإنجيل , لأن ما في الإنجيل هو مراد الله , ولم يأمر الله المسيحيين بالتحول إلى الإسلام أو تطبيق القرآن , ولا يوجد أي إشارة لإجبار المسيحيين على الدخول في الإسلام , ولا توجد دعوة للمسيحيين للدخول في الإسلام , لأن دينهم باطل و كتابهم غير صحيح و باطل

في هذه الآية اعتراف كامل و واضح بالمسيحية كدين صحيح , و اعتراف بالإنجيل ككتاب عظيم من الله , وكل الدعوات التي تطالب المسيحيين بالتحول للإسلام هي دعوات باطلة و غير صحيحة لأنها تخالف القرآن

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
تصف هذه الآية المعرضين عن كتاب الله الإنجيل بأنهم فاسقون , وكل مسيحي يرفض الإنجيل فهو فاسق بحسب الآية

وفي كتب الفقه الإسلامي يجد القارئ أن الفقهاء و مفسري القرآن حرفوا هذه الآية عن معناها المراد من الله , و قالوا: أن من لم يطبق القرآن فهو من الفاسقين , مع أن الآية تتكلم و بكل وضوح و صراحة عن المسيحيين و الإنجيل

من الآيات السابقة و التحليل المرافق لها نستطيع استخلاص بعض النتائج

اعترفت الآيات السابقة بالمسيحية كدين عظيم و صحيح

اعترفت الآيات بشكل واضح بأن الإنجيل كلام الله , وهو نور وهدى من الله , والكلام عن بطلان الإنجيل أو تحريفه هو كلام باطل , و مخالفة لكلام الله في القرآن

لا توجد أي دعوة للمسيحيين لترك دينهم و التوجه للإسلام , بل هناك دعوة واضحة للتمسك بدينهم و اتباع أوامر الله في الإنجيل

كل مسيحي غير ملتزم بدينه فهو فاسق حسب توصيف القرآن له

العمل الدعوي لتحويل المسيحيين للإسلام هي دعوة باطلة ومخالفة للقرآن

يجب مراجعة السيرةالنبوية و كتب الحديث , و التي تتحدث عن عدم وجود لغير المسلمين في المدينة قبل وفاة النبي , فالآيات تتحدث هنا عن وجود كبير للمسيحيين , و ليس عن أفراد , و دعوة المسيحيين هنا لتحكيم الإنجيل في حياتهم ليست دعوة لأفراد , و إنما دعوة لمجموعات كبيرة لها حضورها ووجودها و كنائسها

من الواضح و المؤكد أن التوراة في زمن نبي الله عيسى لم تكن محرفة , وكانت كتابا صحيحا , لأن الله أنزل الإنجيل على عيسى تصديقا لما في التوراة , ومن يقول بتحريف التوراة فعليه أن يثبت وقوع التحريف بعد ظهور نبي الله عيسى , و سنقوم في مقالات قادمة إيراد أمثلة من القرآن تشير و تثبت عدم وجود أي تحريف أو تغيير في التوراة في زمن النبي محمد عليه الصلاة  والسلام , وعلى المشككين في التوراة و الإنجيل أن يأتونا بآيات قرآنية تشير لبطلان و تحريف التوراة و الإنجيل