البعد الإنساني في القرآن 14

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ﴿63﴾ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴿64﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66﴾ التوبة

تأملات في الآيات

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ

يخبرنا الله أن هناك من يعادي الله ورسوله علانية, ويتوعده الله بالعذاب الشديد

جاءت الآية بصيغة الاستنكار والاستغراب, أي بمعنى: هل يجهل هؤلاء أن ما يفعلوه من معاداة الله ورسوله يترتب عليه العذاب الشديد؟ أم أنهم يجهلون هذه العاقبة

.

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

سمى الله لنا هؤلاء المقصودين بالآية السابقة وأنهم المنافقون

من الواضح أن هؤلاء يعلمون أن النبي محمد صادق فيما يدعو إليه, ويعلمون ان الله يخبره بما تكنه صدورهم من عداوة, ولذلك يخاف هؤلاء المنافقون من نزول القرآن, لأنه سيفضح ما تكنه صدورهم

يستهزئ المنافقون بالله ورسوله ولا يخشون من الرقابة الدينية, ولهم مطلق الحرية بالتعبير عن أفكارهم الدينية ونقدهم لأي دين

.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

يصرح المنافقون علانية أنهم يسخرون من الله ورسوله ويحادونهما ولا يخشون أحدا في التعبير عن آرائهم الدينية

وعندما يسألهم النبي محمد عن سبب عدائهم وسخريتهم من كل ما هو ديني يجيبون: أنهم كانوا يشعرون بالملل فقرروا اللعب وتقضية الوقت في اللهو والمزاح

لم يجد هؤلاء شيئا يمزحون ويلهون به سوى شعائر الدين وأحكام الله وآياته ودينه

.

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

يعتذر هؤلاء للنبي عن سخريتهم وعدائهم لله ورسوله

يخبرهم الله أنهم قد ارتكبوا إثما عزيما بسخريتهم وعدائهم لله ولرسوله

يخبر الله نبيه أن الله قد يعفو عن هؤلاء الساخرين المستهزئين بالدين, لكنه لن يعفو مطلقا عن المجرمين المفسدين في الأرض

يخبرنا الله أن الحرية الدينية شيء مقدس, وأن حرية النقد وحتى السخرية والاستهزاء مباحة للجميع, وقد يعفو الله هن الجميع, وقد ترك هذا الباب مفتوحا ولم يقرر أنه سيعفو, وفي هذا تحذير خفي لهؤلاء لعدم التمادي في السخرية والاستهزاء

أما المجرمين المفسدين في الأرض فالعذاب الشديد ينتظرهم بلا شك يوم يلقون الله

العذاب المقرر والمتوقع لهؤلاء المنافقين هو في يوم القيامة فقط, أما في الدنيا فلا يوجد أي رقابة على حرية التفكير والنقد والضمير

لم يأمر الله نبيه بإيقاع أي عقوبة على من يعادي الله ورسوله علانية ويسخر من كل ما هو ديني, فحرية الضمير والتفكير هي حرية مقدسة في القرآن

البعد الإنساني في القرآن 11

البعد الإنساني في القرآن 11

الحرية الدينية

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿7﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿8﴾ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿9﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿10﴾ الأحقاف

تأملات في الآيات

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ

يعبر الكفار عن آرائهم الدينية في المكان الذي نزلت فيه هذه الآيات بكل حرية, وينتقدون النبي ويقولون عن الحق الذي جاء به أنه سحر مبين

لا حدود للحرية الدينية في المجتمع الذي نزل فيه القرآن, ولا مكان للقمع والاضطهاد الديني

.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

يقول الكفار عن القرآن أنه كلام قد افتراه النبي محمد على الله, والله لم ينزل هذا القرآن

ببالغ الأدب والاحترام يرد النبي على هذا الاتهام: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا, أي إن كنت قد افتريت هذا الكلام على الله, فسألقى جزائي يوم القيامة على هذا الافتراء

يعلم الله نبيه أدب الحوار مع الكفار فيأمره أن يقول: الله هو الحكم بيني وبينكم يوم القيامة, وهو أعلم بأعمالي وأعمالكم, وهو يعلم ما تفعلونه في سركم وعلنكم, فدعونا لا نتجادل كثيرا في هذا الأمر

ومع ذلك فقد ختمت الآية بهذه الجملة: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي أن الله واسع المغفرة للجميع, حتى لمن اتهم النبي بالافتراء على الله ورفض الإيمان بدعوة النبي

.

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

يتابع النبي حواره مع المشركين فيقول: إن أنا إلا مرسل من الله ومهمتي هي تبليغ رسالة الله, ولست نبيا أو رسول متميزا عمن سبقني من الرسل

أنا لا أعلم ما سيفعله الله بي ولا بكم, انا لست بشرا مميزا عنكم, إنما أنا واحد منكم ومثلكم, لكني أختلف عنكم بشيء واحد وهو: ان الله قد أوحى إلي ببغض كلامه

مهمة النبي محمد هي فقط: وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

يتابع النبي حواره الرائع المشبع بالأدب والاحترام والتواضع فيقول: ماذا لو كان اتهامكم لي باطلا, وأن القرآن الذي أتيتكم به هو من عند الله حقا؟ ما هو موقفكم أمام الله

يسأل النبي محمد هؤلاء الكفار فيقول: ألا تقبلون بشهادة بني إسرائيل على ما أتيتكم به أنه الحق من عند الله

يجعل النبي من نفسه شخصا عاديا يمتلك فكرة ما ويقبل بشهادة بني إسرائيل على فكرته, ولم يخاطب هؤلاء الكفرة بعنجهية أو تكبر, مع أنه مؤيد من الله ومرسل من قبله

في هذه الآيات السابقة تظهر شخصية النبي العظيمة وأدبه الجم مع غير المؤمنين, وهذه الآيات يجب أن تكون نبراسا لنا وقدوة نحتذيها لمخاطبة غير المؤمنين

الاستهزاء بالدين – إيذاء النبي محمد عليه الصلاة و السلام 2

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

سورة الأحزاب

تأملات في الآيات

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

هناك أناس يؤذون الله , بنسبة الأشياء السيئة له أو بألفاظ سيئة , وهناك أناس يؤذون رسول الله , بالتعرض لشخصه الكريم أو التعرض لحرماته أو تصويره بطريقة غير جيدة , كما حصل مع بعض المجلات العالمية

بعض الأشخاص يسيؤون أيضا لله و لرسوله , و ذلك عن طريق عرض الإسلام بطريقة سيئة جدا , تجعل الآخرين ينفرون منه و يسبون الله و الرسول و النبي وهذا الدين , وهؤلاء الأشخاص هم كذلك من جملة المقصودين

من يعرض الإسلام بطريقة سيئة هم ممن يؤذون رسول الله , و من الأفضل للمسلم أن يبتعد عن هذا الطريق , وهو محاولة توصيل الإسلام أو تبليغه , وهو لا يعلم منه إلا القشور . فهؤلاء خطر على أنفسهم أولا , لأنهم يدخلون في زمرة الذين يؤذون الله و رسوله
وهؤلاء خطر على الجماعة المسلمة, فأن تعرف من الإسلام بعض الأشياء وتجهل الكثير و تحاول التصدر لقضية الدعوة , فهذا مطب عظيم يقع فيه الكثير من المسلمين و يؤذي أكثر مما يفيد

من الملاحظ أن الله جعل عقوبة إيذاء الله و رسوله اللعن في الدنيا و الآخرة و العذاب الشديد

لم يرتب الله على إيذاء الله و رسوله أي عقوبة دنيوية أو حكم شرعي

الأحاديث التي تتحدث عن قتل شاتم الرسول هي أحاديث باطلة لا أصل لها , لأنها تعارض هذه الآيات , ولو كان إيذاء النبي يخرج من الدين و يترتب عليه عقوبة لذكرها الله هنا و أمر نبيه أن يطبقها

الله وحده هو المختص بعقوبة الناس الذين يؤذون رسول الله

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

يتوعد الله الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات و يتهددهم , و أن ما يفعلونه من أذى هو بهتان و إثم , ومن يقترف البهتان و الإثم فلا مكان له بين الصالحين

هنا تهديد عام بعدم إيذاء أي شخص مؤمن , بغض النظر عن التزامه الديني , إن كان ملتزما أو غير ذلك

بعض الإخوة يرى في إيذاء بعض المؤمنات لعدم التزامهم بالحجاب أمرا طبيعيا , وهذا يدخل في الإيذاء المنهي عنه , فالمرأة التي لم تلبس الحجاب لم تخرج من الإيمان , بل هي مؤمنة و التعرض لها فيه خطر عظيم .

بعض الإخوة كذلك لا يرى بأسا في إيذاء السكارى أو المدمنين أو المذنبين أو تاركي الشعائر الدينية , وهؤلاء كلهم داخلون في مسمى الإيمان , و التعرض لهؤلاء و إيذائهم فيه خطر عظيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

لاحظنا في الآيات السابقة أن هناك حملة ممنهجة ضمن مجتمع المدينة المنورة تضمنت

إيذاء الله و رسوله

إيذاء المؤمنين و المؤمنات

و يجب أن نعلم أن هذا الإيذاء كان يحصل بشكل واسع في زمن النبي , ولقد وردت هنا ثلاث آيات تتكلم بشكل واضح عن حملة إيذاء ممنهجة

في كل زمان و مكان يوجد أناس لا يقيمون أي وزن للشعائر الدينية , حتى في زمن النبي محمد و في دولته و مدينته , و التشدد الموجود في الفقه الإسلامي و في الأحاديث المنسوبة للنبي حيال قضية الإيذاء هو تشدد ليس من الإسلام بأي شكل من الأشكال

الإسلام لا يحجر على الناس طريقة اعتقادهم و تفكيرهم و حتى التعبير عن آرائهم , حتى إن كانت ضد الدين , وكان فيها إيذاء لله و لرسوله و للمؤمنين و للدين

الإسلام لا يجبر أحدا على احترام الدين أو احترام الله و الرسول و القرآن وكل ما يتعلق بشعائر الإسلام , وكل ماهو موجود في كتب الفقه و الأحاديث مما يخالف الحرية المطلقة هنا في التعبيرعن الرأي, يعتبر باطل لا أصل له و ليس له أي صلة بالإسلام

إجبار الناس على احترام شعائر الدين و إظهار الشعائر الدينية و إخفاء ما غيرها هو شيء لا أصل له في الإسلام , و الأحاديث التي تتكلم عن ضرورة تغيير المنكرات و وجوب صبغ المجتمع ظاهريا بصبغة إسلامية , هي أحاديث قطعا باطلة وتخالف الإسلام , ففي زمن النبي و في دولته و في مدينته , كان هناك مستهزئون علنا , ولم يعاقب الله أحدا منهم في الدنيا ولم يأمر بعقوبته

الاستهزاء بالدين -إيذاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام 1

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
سورة التوبة

تأملات في الآيات

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
بعض الناس يؤذون النبي و يسمونه بالبخل و التحيز و أنه شخص غير عادل

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
البعض يصف النبي بأنه رجل لا رأي له ولا عقل , و يستمع لكل شخص يحدثه و يصدق قوله

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
وهناك من يحادد الله و رسوله و يحاربهم و ينصب لهم العداوة

من الملاحظ وجود إساءة علنية للنبي أثناء قيامه بتوزيع الصدقات و اتهامه بأوصاف لا تليق به و بجلالة مقامه , و أن الأمر لم يكن سريا , بل كان أمرا علينا

من ملاحظة الآيات نلاحظ الأوامر التي أمر الله بها نبيه للتعامل مع هذه الحالة من الإساءة للنبي بشكل علني

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
ردا على الاساءة للنبي و اتهامه بالتحيز و البخل , نصح الله هؤلاء بأنهم لو رضوا بما قسمه الله على يد نبيه لكان خيرا لهم

قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ردا على اتهام النبي بأنه رجل لا رأي له و أنه يستمع لكل شخص و يصدقه , قال الله أن استماع النبي للناس فيه خير لهم , و أن هؤلاء المتهمين للنبي سيلقون عذابا أليما يوم القيامة

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ
من يحارب الله ورسوله علنا , و يسيء للنبي , فإن مصيره جهنم و العذاب الأليم يوم القيامة

من مراجعة الآيات نستطيع تلمس هوية هؤلاء المسيئين

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا
هؤلاء يتلقون الصدقات من النبي , فمن الواجب أن يكونوا من الناس المؤمنين بالنبي و دعوته

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
لو أن هؤلاء رضوا بقسمة الله ونبيه لهم لكان خيرا لهم , أي بمعنى أنهم أساسا من المؤمنين بالنبي , و الله ينصحهم بموقف أفضل من موقفهم الذي اتخذوه

هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ
ورحمة للذين آمنوا منكم , أي من هؤلاء المسيئين للنبي , أي هو رحمة حتى للمسيئين

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
هؤلاء يحلفون بالله , فهذا يعني كونهم مؤمنين , والله يوجههم لما هو أفضل لهم , وهو الرضى بما قسمه الله على يدي نبيه

في كل الآيات السابقة لم يصف الله هؤلاء المسيئين بالخروج من الدين و أن عليهم تجديد إيمانهم و دخولهم في الإسلام , لأنهم بإساءتهم للنبي قد خرجوا من الملة و الإسلام

في كل الآيات السابقة كان الله يخاطب هؤلاء و ينصحهم و يوجههم لما هو أفضل

حصر الله العقوبة لهؤلاء المسيئين للنبي بيده وحده , ويوم القيامة

لم يطلب الله من نبيه اتخاذ أي إجراء عقابي ضد هؤلاء المسيئين لشخص النبي

هذه الآيات تقرر بوضوح أن العقوبات التي تنص عليها الأحاديث النبوية من وجوب قاتل شاتم الرسول هي كلها أحاديث باطلة لا اصل لها , لأنها تخالف هذه الآيات بشكل واضح

ومن هذه الأحاديث

مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ رواه البخاري

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : “ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا “ رواه أبوداود

حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعط لهما الأمان الذي أعطاه لباقي سكان مكة رغم أن من سكان مكة من كان أشد عداوة وحربا للإسلام .  مغازي الواقدي ، و سيرة ابن هشام

صرح الكثير من الفقهاء بردة شاتم الرسول و مؤذيه , وفي هذه الآيات لم يقل الله عن هؤلاء أو يصفهم بالردة أو الخروج من الملة , بل بالعكس , وصفهم بالإيمان  وأن عليهم فعل أشياء أفضل لدينهم و إيمانهم , وهذ الآيات تنقض هذه الأحكام

النساء في القرآن 2 – الحجاب

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59)

سورة الأحزاب

تأملات في الآيات

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

يحذر الله من الإساءة للذات الإلهية ومن الإساءة لشخص النبي محمد , و الإساءة هنا تحتمل كافة معاني الأذى

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينً

من يؤذي المؤمنين و المؤمنات بغير ذنب اقترفوه فقد أصاب إثما عظيما

من الواضح من الآيات السابقة وجود حملة ممنهجة للإساءة للذات الإلهية و لشخص النبي و نساء النبي و نساء المؤمنين

هذه الحملة تستهدف كل ماهو متعلق بالدين الجديد من قبل الآخرين

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

خلال هذه الحملة الممنهجة لإلحاق الأذى بكل ماهو إسلامي أمر الله نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن عليهن حتى يعرفن أنهن مؤمنات فلا يتعرض لهن الآخرون بالأذى
 ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ

نلاحظ أن الأمر بالحجاب جاء نتيجة ظرف طارئ لحق بالجماعة المؤمنة , و ليس قاعدة عامة يعمل بها في الأوقات الطبيعية

أرادت الآية حماية المؤمنات من الأذى الذي يلحق بالجماعة المؤمنة , وليس للحجاب أي غاية أخرى
  ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ

من خلال الآيات السابقة نستطيع استخلاص بعض النتائج

يجب على الجماعة المؤمنة اتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل حماية النساء المؤمنات في الأوقات الحرجة , بما في ذلك الأمر بالحجاب , إن كان هذا الأمر يحمي المؤمنات بطريقة ما من الأذى

الحجاب حالة طارئة وليس قاعدة عامة يجب على النساء الالتزام بها في الأوقات الطبيعية

حماية المؤمنات من الأذى هو الهدف الأساسي لفرض الحجاب عليهم في أوقات الطوارئ , ولو استطاعت الجماعة المؤمنة حماية النساء بطرق أخرى من مثل : قوانين صارمة تحمي النساء و تمنع إلحاق الأذى بهن , فهذا كاف

النساء اللواتي يضعن الحجاب و يتعرضن للأذى بسبب هذا الحجاب يعتبرن آثمات ومخالفات للقرآن الكريم , لأن الغاية السامية و الأساسية لرب العزة هو حماية النساء من الأذى بأي طريقة كانت , وليست الغاية اطلاقا ارتداء الحجاب

لم ترد أي إشارة من قريب أو بعيد لكون غاية الحجاب هو حماية المجتمع المؤمن من الفتنة و حماية الشباب من إثارة الغرائز و الشهوة , والذي يقول أن غاية الحجاب هو حماية الشباب المؤمن من ذلك فهو يخالف مراد الله علانية و يخشى عليه من عقاب الله

كل الأحاديث التي تتحدث عن كون الحجاب هو حماية للمجتمع المسلم من فتنة النساء هي أحاديث باطلة ومخالفة للقرآن الكريم , فغاية الحجاب هو حماية المرأة المؤمنة في حالات الطوارئ , وليست حماية غيرها

أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 3

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴿50﴾ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴿52﴾ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿53﴾ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿54﴾ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿55﴾ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ

سورة التوبة

تأملات في الآيات

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ

هؤلاء الكفار يعيشون مع النبي في المدينة , وعندما تصيب النبي مصيبة يفرحوا بها و يشمتوا , و لكن يحزنون إن كان النبي في خير ونعمة

ومن الواضح من الآية أن هؤلاء يظهرون مشاعرهم تجاه النبي بكل حرية ولا يخافون أن يعاقبهم النبي على إبداء مشاعرهم

لا بد من التذكير أن هذه السورة نزلت في غزوة تبوك عام 9 هجري , أي بعد أن كان للنبي دولة و جيش و شرطة و قادر على تطبيق أي عقوبة بحق أي شخص , و قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا

يعلم الله نبيه كيفية التعامل مع هؤلاء , فيأمره أن يقول لهم : أن الخير و الشر بيد الله , و فرحكم أو شماتتكم بنا لن تغير شيئا من أمر الله

من الملاحظ أن الله لم يأمر نبيه بقمع هؤلاء و محاسبتهم على إبداء شماتتهم بالنبي , وحزنهم على الأمور الجيدة التي تصيبه , بل أمر الله نبيه أن يرد عليهم بالقول فقط , و تصحيح مفاهيمهم الدينية

قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ

وهنا تأتي العقوبة من الله تعالى , و يخبر نبيه أنه لن يتقبل منهم أي عمل صالح سيفعلونه , و أن كل نفقاتهم لن تكون في صالحهم يوم القيامة , حتى لو أنهم أنفقوها في سبيل الله

و سبب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم فاسقون

وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ

و أحد أسباب عدم قبول أي نفقة منهم , هو أنهم كفروا بالله و رسوله و يتكاسلون عن الصلاة و ينفقون في سبيل الله وهم كارهون للإنفاق

وهنا يشير الله بكلام واضح لا شك فيه أن هؤلاء كفار بالله و رسوله

فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

وهنا عقوبة اخرى بحق هؤلاء , وهي ان الله سيجعل أموالهم و اولادهم سبب شقاء لهم

و الأسرة التي يعيش الآباء فيها في تخبط فكري  وديني , ولا يستطيعون اتخاذ مواقف واضحة و حاسمة حيال هذه المواضيع , ستعيش بلا شك حالة عذاب , و يكون المال و الأولاد فيها مصدر عذاب للآباء

أسرة غير مستقرة , تنتج أطفال غير مستقرين , فينتج عنها حالة فوضى وعذاب للآباء و الأبناء

من التحليل المبسط السابق نستطيع استنتاج بعض الملاحظات

صرحت الآيات بما لا يقبل الشك أن هؤلاء الناس كافرون بالله و رسوله

يعيش هؤلاء الكفار في المدينة مع النبي بسلام , ولا يخافون من إبداء مشاعرهم تجاه النبي و الدين و النظام الاجتماعي كله

لا يوجد في مجتمع المدينة الذي أسسه النبي أي إكراه على فكر و دين معين , و للجميع حرية الرأي و التفكير و التعبير عن آرائهم , حتى لو كانت هذه الآراء متعلقة بشخص النبي

كل الأحاديث التي تتكلم عن وجود إرهاب فكري في عصر النبي هي أحاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات

كل الأحاديث التي تتكلم عن اختفاء غير المسلمين من المدينة , و أن مجتمع المدينة لا يحتوي إلا مسلمين صالحين هي احاديث باطلة ولا شك

حرية الاعتقاد هي حرية مقدسة في القرآن , حتى لو كان هذا الاعتقاد مما يصادم الإسلام و يناقضه

أشارت الآيات إلى حصول أذى مباشر بحق النبي , و إساءة علنية , ومع كل ذلك لم يأمر الله نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحق هؤلاء , و بالتالي نستطيع الجزم بأن كل الأحاديث التي تتكلم عن عقوبة المسيء للنبي هي احاديث باطلة لأنها تخالف هذه الآيات

العلاقة مع غير المسلمين 5 -أهل الكتاب

يعتبر القرآن هو خاتمة الكتب السماوية إلى الأرض , ومن الواجب أن تكون هذه الرسالة عامة شاملة وتضع الخطوط الأساسية للعلاقة بين البشر إلى آخر الزمان , هنا نسلط الضوء على الخطوط الأساسية لهذه العلاقة بين كافة البشر بشتى أديانهمو نأخذ أهل الكتاب نموذجا

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

سورة المائدة

تأملات في الآيات

تحدثت الآيات عن مسلك بني إسرائيل و علاقتهم بالنبي محمد في المدينة فقالت

فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
حذرت الآية بني إسرائيل من عواقب الكفر , و أن فيه ضلال عن سواء السبيل

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ
عاقب الله بني إسرائيل على نقضهم المواثيق بأن جعل قلوبهم قاسية

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ
وأحد أبشع و اشنع أعمالهم هو تحريف كلام الله عن معانيه و مقاصده

وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ
وتذكر الآية نسيانهم لما تم تذكيرهم به من أوامر ربانية و توجيهات دينية

وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ
و يخبر الله عن أن النبي يطلع بشكل دائم على خيانات منهم

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ
ومع كل ما سبق من شنائع و أفعال و خيانات و طعن و تحريف لكلام الله , أمر الله نبيه أن يعفو عنهم و يصفح

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
و يشجع الله نبيه على الإحسان في التعامل مع بني إسرائيل , مع كل ما يفعلونه

لا بد من التذكير بأن الآيات هذه هي من سورة المائدة , وهي آخر سورة نزلت على النبي و قبل وفاته بثلاثة أشهر في حجة الوداع , و لهذا التنبيه قيمته , حيث أنه من المقرر في الأصول , أن الدين و الشرائع تكونت وانتهت و اكتملت بنزول قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم في هذه السورة

من ملاحظة التسلسل السابق فقد عدد الله ما فعله بنو إسرائيل وهو

 الكفر , نقض الميثاق , تحريف الكلم عن مواضعه , نسيان أوامر الله و إهمالها , الخيانة

مع كل هذه المساوئ التي اقترفها بنو إسرائيل , طلب الله من نبيه أن يعفو عنهم و يصفح , لأن الله يحب المحسنين

لم يطلب الله من نبيه اتخاذ أي إجراء قتالي أو تأديبي ضد هؤلاء , مع أنه صرح بخيانتهم , و إنما ترك عقابهم وحسابهم إليه وحده

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. المائدة (64)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. التوبة (90)