أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 5

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿67﴾ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴿68﴾ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

سورة التوبة

تأملات في الآيات

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

تتحدث الآية عن أفعال المنافقين في المدينة المنورة , وهم يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و لا ينفقون في سبيل الله , و قد نسوا الله , فعاقبهم الله بعقوبة لن ينسوها , وهي أن الله نسيهم و لن يذكرهم

وهل هناك عقوبة أعظم و أشد بأن ينسى الله عبده؟ فيتركه على وجه هذه الأرض بدون توجيه من عنده جل جلاله

وهناك عقوبة أخرى و هي أن الله حكم على المنافقين بأنهم و الفاسقين سواء

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ

وهذه عقوبة ثالثة: النار هم مأوى المنافقين و الكفار , واللعنة هي مصيرهم , والعذاب المقيم هو ما ينتظرهم

ولم يعد الله المنافقين و الكفار بأي عقوبة دنيوية , ولم يأمر نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي بحقهم

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

تشير الآية إلى أن الكفار و المنافقين موجودون في المدينة , وكانت لهم قوة و أموال و أولاد , وكانوا يحتمون بقوتهم و حضورهم في المجتمع , و الآية تحذرهم من الاغترار بالقوة , فهناك الكثير ممن كان قبلهم , كانوا أكثر منهم قوة , وقد عاقبهم الله , ولم تنفعهم قوتهم شيئا

 أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

تشير الآية إلى أن جميع الأعمال الصالحة التي فعلها الكفار و المنافقون لم تعد تنفعهم , في الدنيا و الآخرة

هنا إشارة مهمة إلى أن الله يتقبل الأعمال الصالحة من الكفار و المنافقين , لكن الله في حالة هؤلاء لن يتقبل منهم أي عمل صالح

تقول الكتب الفقهية أن الله لا يتقبل أي عمل صالح من الكفار بسبب كفرهم , و أنهم أساسا لا يوجد لديهم أعمال صالحة بسبب كفرهم

لكن الآية هنا تناقض الأقوال الفقهية , وتقول أن للكفار أعمالا صالحة و أن الله بسبب أفعالهم السيئة لن يقبلها

سنحاول هنا ملاحظة الأفعال التي فعلها هؤلاء الكفار و المنافقون و التي سببت عدم قبول أعمالهم الصالحة في هذه الآيات فقط

 يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ

 وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ

 وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ

 نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ

 فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ

 وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا

كل الأسباب الواردة في هذه الآيات تتحدث عن معاملات بين الناس و فساد في المجتمع يسعى إليه هؤلاء , ولم يذكر الله أي إشارة حول رفضهم الدخول في الإسلام , أو إنكارهم لوجود الله

بل العكس تحدثت الآية أنهم نسوا الله فتمادوا و طغوا , و الناسي لله هو شيء مختلف عن المنكر له

وهؤلاء لم ينكروا الله بل نسوه , و المؤمن العادي قد ينسى الله فيذكره , وقد جاءت آيات كثيرة جدا في القرآن تأمر النبي و المؤمنين بذكر الله إذا نسوه

 وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا 

سورة الكهف

بعض النتائج من الآيات السابقة

مجتمع المدينة المنورة في زمن النبي كان يحتوي على منافقين و كفار يعيشون بسلام , و كانوا يتصرفون بكل حرية و يمارسون حتى فسادهم و إفسادهم في الأرض تحت بصر النبي محمد عليه الصلاة و السلام

للكفار و المنافقين أعمال صالحة قد يتقبلها الله , لكنهم في حالة سعيهم في الفساد في الأرض فلن تنفعه هذه الأعمال شيئا

الخلاف مع الكفار و المنافقين ليس خلافا حول دخولهم الإسلام أو رفضهم له , و القرآن لم يطلب منهم الدخول في الإسلام , بل طلب منهم الكف عن الفساد في الأرض

حرية العقيدة في القرآن محفوظة في القرآن لكل شخص, و لا يأمر القرآن أي شخص باتباع دين معين

مهمة النبي هي الوعظ و التنبيه وليس إجبار الناس على فعل أشياء لا يريدونها , أو محاسبتهم على أفكارهم و عقائدهم

لابد هنا من التذكير أن هذه الآيات من سورة التوبة , التي نزلت في غزوة تبوك , قبل وفاة النبي سنة ونصف , أي بعد أن كان للنبي دولة  وجيش و قوة قادرة على فرض أحكام الدين

وهذا يشير قطعا أن دولة النبي ليس فيها محاسبة للناس على افكارهم و اعتقاداتهم ولا حتى أفعالهم الفاسدة في المجتمع

الله وحده هو من يعاقب الناس و يحاسبهم على أفعالهم ولا سلطة لأي شخص على الناس كي يحاسبهم على أفكارهم و معتقداتهم

الأحاديث التي تتكلم عن إجبار الناس على الإسلام , و إجبارهم على إظهار شعائر الإسلام , و أن المجتمع الإسلامي تمنع فيه المظاهر الغير إسلامية هي أحاديث قطعا باطلة

عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ . مُتفقٌ عليه

الآيات هنا تتحدث عن أناس كفار ومنافقين , لم يسلموا و قد كانوا بجوار النبي وفي مدينته , وهذه الآيات بلا شك تنسف هذه الأحاديث الموضوعة المنسوبة للنبي زورا

من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم

وحسب الآيات السابقة , فقد رأى النبي منكرات في مجتمعه و لم يغيرها , وهو قد خالف الحديث الذي قاله , مع أنه كان قادرا على تغييرها

في المجمل نستطيع القول : أن كل الأحاديث التي تتحدث عن تغيير المنكرات في المجتمع بقوة السلطة هي أحاديث باطلة لمخالفتها للقرآن