أحكام الردة عن الإسلام و الكفر بالله بعد الإيمان 2

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿81﴾ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿82﴾ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴿83﴾ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴿84﴾ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿85﴾ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴿86﴾ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿87﴾ لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿88﴾ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

سورة التوبة

من المتفق عليه بين علماء القرآن أن سورة التوبة نزلت في غزوة تبوك ,في رجب من عام 9 هجري, أي قبل وفاة النبي بسنة ونصف تقريبا

و معرفة توقيت هذه السورة مهم جدا , لمعرفة أن النبي كان قادرا على تطبيق الأحكام الدينية , لأنه كان يقود دولة و لديه القدرة على تطبيق أي حكم

تأملات في الآيات

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ

تذكر الآية هنا بعض الناس الذين كفروا بالله و رسوله , أي خرجوا من الدين كاملا بدون أي شك , ووصفت الآية هؤلاء أنهم مع كونهم كفار فقد ماتوا وهم فاسقون

عقوبة هؤلاء الكفار الذين ماتوا وهم كافرون وفاسقون , أن لا يصلي عليهم النبي ولا يقف على قبره و يدعو له

وهؤلاء مجموعة وليسوا افرادا قلائل , و أي شخص يموت من هذه المجموعة فعلى النبي أن لا يصلي عليه ولا يدعو له.

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

كان النبي يتأمل في هؤلاء خيرا في سبيل الدعوة إلى الإسلام , و يرى أموالهم و أولادهم و يتمنى أن تكون في سبيل الدعوة إلى الله , و الله يقول لنبيه هنا

يا محمد , هذه الأموال و الأولاد التي عندهم , هي سر تعاستهم و آلامهم في الدنيا و الآخرة

وهؤلاء الناس المترددون السيئون يمتلكون بيوتا غير هادئة ولا مستقرة , و تكون بيوتهم مصدر عذاب و شقاء لهم , والله يبين لنبيه هذا الأمر , وأن التردد الديني لدى هؤلاء هو مصدر عذابهم في الدنيا ,  وسيموت هؤلاء وهم كافرون بالله

و الآية تخاطب النبي و تحكي له عن أناس لديهم أموال و أولاد كثيرة , ولا تتكلم عن شخص واحد كان مسلما و كفر

وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ

مازالت الآيات تصف هؤلاء الذين كانوا مسلمين و كفروا بالله و نبيه , و تصف هذه الآية رد فعلهم عندما كانت تنزل آية تأمر بالجهاد مع رسول الله , ولا بد من التنويه أن هؤلاء كانوا مسلمين و قد كفروا بالله و رسوله , أي ارتدوا عن الإسلام

فهؤلاء كانوا يحضرون نزول القرآن عند النبي , فإذا جاء الأمر بالجهاد انسحبوا إلى بيوتهم و تركوا النبي وحده

و تصف الآية هنا حال القادرين على فعل شيء يفيد الدعوة إلى الله

لدينا من هذه الآيات إشارات كثيرة تفيد أن أعداد هؤلاء الكفار كثيرة , و أنهم ليسوا أشخاصا قليلين, و هنا نورد بعض الأمثلة

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ

اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ

وكل هذه الآيات تتكلم عن مجموعة كبيرة من الكفار المرتدين عن الإسلام , الذين كانوا يعيشون مع النبي في المدينة بسلام

كلام المفسرين عن أن المقصود من هذه الآيات هم شخص واحد هو كلام باطل و تحريف لكلام الله

في هذا الجزء من هذه الآية ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ) دليل لا يقبل الشك أنهم كانوا مجموعة كبيرة , و الله يخبر نبيه فيقول : فإن رجعت إلى قسم من هؤلاء الكفار و طلبوا منك الخروج للقتال معك , فلا تأذن لهم

من التحليل السابق نستطيع استنتاج بعض الملاحظات

عقوبة الكفر بالله و الردة عن الإسلام هي الحرمان من  دعوات النبي للمرتدين , و أن النبي لن يصلي على هؤلاء صلاة الجنازة و لن يدعو لهم عند موتهم

تشير الآيات إلى أن هؤلاء المرتدين كانوا يعيشون بسلام في المدينة المنورة مع النبي , و كانوا يحضرون مجالس النبي و يستمعون له و يناقشونه و يرفضون أوامره علانية و يخذلونه

لا بد من التذكير بأن الآيات من سورة التوبة , التي نزلت قبل وفاة النبي بسنة و نصف , أي بعد أن كان للنبي دولة و جيش و شرطة قادرة على تطبيق أحكام الكفر بالله و الردة عن الإسلام

المجتمع في زمن النبي محمد في المدينة كان مجتمعا منفتحا و يحوي كل التيارات الدينية , وحتى الرافضين للإسلام و المرتدين عنه, وكان هؤلاء يتكلمون بكل صراحة بكل ما تحويه صدورهم

لم تطلب الآيات من النبي اتخاذ أي عقوبة دنيوية بحق هؤلاء , فالإكراه في الدين ليس من الإسلام , و تكميم الأفواه و إجبار الناس على فكر معين ولو كان الإسلام , هو شيء مرفوض في القرآن بكل وضوح

الأحاديث التي تتحدث عن إجبار الناس على دين معين أو على البقاء في الإسلام هي أحاديث باطلة و غير صحيحة, لأنها تخالف هذه الآيات بكل وضوح

من مثل

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم.

 (من بدَّل دينه فاقتلوه)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ