الأحاديث النبوية يجب أن تكون شارحة أو موضحة أو مخصصة أو مبينة لأحكام موجودة في القرآن, ومن غير المعقول أن تكون مناقضة للقرآن, وعندما نجد حديثا مناقضا للقرآن فهذا يعني أنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله, حديث من بدل دينه فاقتلوه نموذجا

في العلاقة بين القرآن و الحديث

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
سورة التوبة

عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه).
رواه البخاري

من ملاحظة الآيات نجد ما يلي

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ
تتحدث الآيات عن أقوام يسخرون من المؤمنين , وقد ارتكبوا أفعالا شنيعة وصفتها الآيات السابقة لهذه الآيات هنا, مما أدى لإطلاق حكم الكفر بحقهم , وهؤلاء أناس كانوا يعيشون في المدينة و يختلطون بالمؤمنين , ويسخرون منهم في الصدقات , و التفاسير التي تتحدث عن أن المقصود بهذه الآيات هو أبو طالب او أم النبي هي تفاسير غير صحيحة , لأن الآية تتحدث عن لمز المتطوعين و المتصدقين في عهد النبي

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
من حب النبي للناس و إرادته الهداية لهم , مع كونهم أناسا سيئين و كفرة , ومع سوء أفعالهم و عداوتهم الظاهرة لله و لرسوله و للمؤمنين , فقد أراد الاستغفار لهم , لكن الله أخبر نبيه , أن الله لن يغفر لهؤلاء , حتى لو استغفر لهم النبي , فعلى النبي أن لا يتعب نفسه و يحزن عليهم لكفرهم
والله هنا وصف هؤلاء بكلام واضح صريح لا لبس فيه , فقال: ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , هم كفرة بحكم الله تعالى , وليس اجتهادا من أحد , ومن أصدق من الله قولا و حكما

ومن قراءة الآيات و ملاحظة أوامر الله تجاه هؤلاء و كيفية التعامل معهم , وماهي الأحكام و العقوبات الصادرة بحقهم , نجد ما يلي

سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الله يسخر من سخرية هؤلاء , و يعدهم بعذاب أليم يوم يلقونه

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
أمر الله نبيه بعدم الاستغفار لهؤلاء , لأن الله قد عاقبهم بعدم قبول استغفار نبيه لهم, وتكفيهم عقوبة الحرمان من استغفار نبي الله لهم

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
و عقوبة أخرى لهؤلاء الكفرة, أن الله لن يهديهم لطريق الحق

من كل ما سبق نستنتج ما يلي

أولا: صرحت الآيات بكفر هؤلاء العلني , و هذا الحكم بالكفر هو حكم من الله لا شك فيه و لا ريب , وليس اجتهادا من أحد

ثانيا: عقوبة هؤلاء محصورة بيد الله وحده , فقد عاقبهم بالحرمان من استغفار نبي الله لهم , و حرمانهم من الغفران , وحرمانهم من الهداية

ثالثا: لم ترتب الآيات على هؤلاء الكفرة أي عقوبة دنيوية , ولم يأمر الله نبيه باتخاذ أي إجراء تأديبي أو عقوبة بحقهم , بل أمرت النبي أن يبتعد عنهم فقط , وأن لا يحاول الاستغفار لهم , فهؤلاء قوم ميؤوس منهم

يجب التنبيه إلى أن هذه الآيات هي من سورة التوبة التي نزلت في غزوة تبوك , وغزوة تبوك قد وقعت قبل وفاة النبي بعام , والنبي في هذه الأثناء يمتلك جيش و دولة تضم مكة و المدينة وما حولها ,و بإمكانه تطبيق أي عقوبة بحق أي شخص , لكن مع كون النبي حاكما و نبيا و مبشرا و آمرا , فغن الله لم يأذن له بعقوبة هؤلاء أو إقامة أي حد عليهم

من كل ذلك , فنحن هنا نستطيع الجزم بأن حديث من بدل دينه فاقتلوه , هو حديث موضوع مكذوب على رسول الله , لأنه يخالف القرآن مخالفة واضحة و علنية, و يناقضه مناقضة تامة

و الحمد لله أولا و آخرا