الاستهزاء بالدين – الاستهزاء بالأذان و الصلاة وعموم الدين

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴿58﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

سورة المائدة

.

تأملات في الآيات

لا بد من التذكير هنا أن هذه الآيات من سورة المائدة , والتي هي آخر سورة نزلت على رسول الله قبل وفاته بثلاثة اشهر

وهذه الآيات تعطينا فكرة واضحة عن الحياة في المدينة المنورة و تركيبتها السكانية

ولا ننسى أن الرسول قبل وفاته كان لديه جيش و دولة و يحكم معظم الحجاز و اليمن بالشريعة الإسلامية , وهنا سنحاول معرفة كيف حكم النبي هذه الدولة و ماهي التوجيهات الربانية في هذا الباب

.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

.

يأمر الله المؤمنين أن لا يتخذوا المستهزئين بالدين أصحابا و أحبابا , وهؤلاء المستهزئين هم من أهل الكتاب , يهود و نصارى , وكذلك يوجد مستهزئين من الكفار

تشير الآية لوجود يهود و نصارى وكفار في المدينة المنورة , يعيشون بسلام مع النبي و صحابته

هؤلاء اليهود و النصارى و الكفار يستهزئون بالدين الإسلامي علانية و في مدينة رسول الله , ولا يخافون من وقوع أي عقوبة بحقهم

الأمر الوحيد الذي ورد في هذه الآية تجاه هؤلاء المستهزئين , هو عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

.

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ

.

عندما ينادي المؤذن للصلاة في مسجد رسول الله في المدينة المنورة , يشرع هؤلاء الكفار و اليهود و النصارى بالسخرية علانية من الصلاة الإسلامية , دون خوف من أي عقاب يحل بهم

يصف الله هؤلاء المستهزئين بأنهم قوم لا يعقلون

هؤلاء المستهزئين لا يخافون من دولة النبي و سلطته , ولا من جيشه و صحابته , ولا من أبي بكر و عمر بن الخطاب و غيرتهما على الدين , ومن الواضح جدا أنه لم تكن هناك قوانين تمنع السخرية من الدين في مدينة رسول الله و في زمن النبي

.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

.

هنا توجيه إلهي لكيفية التعامل مع هذا الاستهزاء و السخرية من الدين و السخرية من شعائر الإسلام من أذان و صلاة

يأمر الله بمحاورة هؤلاء , و يأمر المؤمنين أن يناقشوا هؤلاء حول سبب سخريتهم و استهزائهم بالدين الإسلامي و الشعائر

لماذا أنتم ناقمون علينا أيها الناس؟

نحن نؤمن بالله مثلكم , ونؤمن بما أنزل علينا من قرآن , ونؤمن كذلك بالتوراة و الإنجيل و غيرها من كتب سماوية , ونحترم كل هذه الكتب ومافيها , فلماذا هذا الحقد و الكره منكم تجاهنا؟

نحن نلتزم كل الشعائر الدينية و نحترمها , بينما أنتم مقصرون مذنبون ( فاسقون ) فاسدون

هل سبب نقمتكم هو التزامنا بالدين و تفلتكم منه و عدم قدرتكم على الالتزام بالدين و شعائره؟

في الآية تصريح بصحة الكتب السماوية السابقة من توراة و إنجيل و غيرها , ولو كان المؤمنون يعتبرونها محرفة أو منسوخة , لصرحت الآيات بأن سبب تشنج هؤلاء من المؤمنين هو عدم اعتراف المؤمنين بالتوراة و الإنجيل الموجودة في زمن النبي , وأن المؤمنين يعتبرونها كتبا محرفة

لم يأمر الله المؤمنين هنا بقتل هؤلاء المستهزئين بالدين و شعائر الصلاة و الأذان , ولم يأمر بتغيير هذه المنكرات العلنية في مدينة رسول الله و بوجود صحابته الكرام

أمر الله المؤمنين فقط بعدم مجالسة هؤلاء المستهزئين و عدم اتخاذهم أصحابا و أحبابا و أولياء

من المؤكد أن هذا الاستهزاء هو منكر واضح لا يحتاج إلى دليل , ومع ذلك لم يأمر الله بتغييره , وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك , أن الأحاديث التي تتحدث و تأمر بتغيير المنكر هي أحاديث باطلة

من غير المعقول أن يأمر الله المؤمنين فقط بعدم اتخاذ المستهزئين أولياء و أحبابا  في القرآن , و يأمر النبي في الأحاديث بقتل المستهزئين

القول بأن النبي أمر بتغيير المنكر و أمر بعقوبة المستهزئين هو قول باطل , لأن معنى ذلك أن النبي يتخذ إجراءات و أوامر مضادة للقرآن , فالقرآن يأمر بالتسامح مع هؤلاء , و النبي يأمر بقمعهم و قتلهم

لم يرتب القرآن على المستهزئين بالدين عموما , و الأذان و الصلاة خصوصا أي عقوبة دنيوية , وكل العقوبات الواردة في الأحاديث و الفقه هي عقوبات مخالفة للقرآن وهي باطلة قطعا